|
فضاءات ثقافية في حدث فريد وغير مسبوق٬ تستضيف مدينة الدار البيضاء في الفترة من 4 إلى 14 تشرين الأول الجاري مهرجان «تعال إلى بيتي» حيث يتمدد فضاء المدينة ليجمع بين ثقافات وجنسيات وفنون من مشارب مختلفة تتلاقح فيما بينها في خليط يغري بمزيد من الحوار والانفتاح على قيم الآخر. في هذا المهرجان الحدث٬ الذي يقوم على مبدأ الحرية في التعبير والتفكير٬ تتجاور أجناس فنية متنوعة٬ وتعلو قيم المشاركة واقتسام الأفكار٬ والحوار المبدع في فضاءات لعرض فنون التشكيل ونفيس المجوهرات وأمسيات للموسيقا وأخرى للشعر وعروض لفن الركح وفن الحكي وورشات للفن التشكيلي والمسرح. عن هذا الحدث الثقافي٬ يقول إدريس العلوي المدغري المسؤول عن إدارة هذا المهرجان: «إن هذه التظاهرة تتميز ببرمجة غنية ومتميزة من شأنها أن تمنحها زخماً وإشعاعاً يجعلها تنفرد عن باقي المهرجانات الثقافية بإشراف ثلة مبدعة منتقاة٬ كل حسب مجال اهتمامه وخبرته». واعتبر العلوي المدغري أن المهرجان٬ الذي هو خلاصة استنتاجات وملاحظات راكمها خلال سنوات٬ لا يشكل «هدفاص في حد ذاته» إنما هو «مرحلة بين أخريات لمقاربة مختلف أشكال التعبير دون اعتبار للحدود والمجالات الترابية والتي غالباً ما تعرقل الإبداع الحقيقي». يستلهم المهرجان٬ الذي يعول فيه المنظمون على دعم الأصدقاء وعشاق الفنون بمختلف أجناسها٬ أهدافه من القيم التي تدعو إليها مؤسسة «ثقافات العالم» التي يتولى العلوي المدغري رئاستها وتجمع فنانين ومثقفين يتقاسمون القيم ذاتها والرغبة في النهوض بالفن والثقافة عبر مبادرات فردية وجماعية وتوحيد الإرادات وتجميعها وإشراك كافة الفاعلين في الحقل الثقافي وتنمية النشاط الفني. غير أن المهرجان٬ وإلى جانب استقطابه لمثقفين ومفكرين ومبدعين من داخل المغرب٬ سيكون مناسبة للفنانين الأجانب للالتقاء بعائلات مغربية ستكون حاضنتهم طيلة أيام المهرجان وذلك٬ ليتقاسموا وقائع المعيش اليومي ويلامسوا عن قرب طبيعة الحياة داخل الأسر المغربية في محاولة لتقريبهم من الثقافة المحلية وخصائصها. يتضمن البرنامج تنظيم زيارات استكشافية في قلب العاصمة الاقتصادية للمملكة ولقاءات أدبية خاصة منها «لقاءات أوليفيري» حول كتاب «روح العالم» بمشاركة كاتبه فريديريك لونوار و»التدبير القادم من الجنوب» الذي سيجمع خبراء من بلدان الجنوب إلى جانب ورشة حول الطبخ. كما أن البعد الاجتماعي سيكون حاضراً ضمن برمجة المهرجان من خلال «عرض ضمانة للشعر والموسيقا» وتنظيم مزاد للبيع العلني لفائدة عدة جمعيات حيث سيسهم كل مشارك في فعاليات المهرجان بشيء من اختياره: «لوحة٬ كتاب٬ ديكورات٬ مجوهرات…». وقد تقرر تنظيم دورته الثانية في آذار 2013 بكوت دازور بفرنسا وتجري الاتصالات لعقد دورة ثالثة في إيطاليا عام 2014. *** بــورخـيـــــس يــــــراوغ المجهول عبر شحنات الأمل تجاوز بورخيس مفهومَه بأن الشاعر يكتب ما يستطيعه إلى القول بأنه يكتب ما لا يستطيعه، إذ أَلمّ بوظيفة اللغة الشعرية ومداخلها السرية، وفتح أبواباً منها على رؤيته التي كونتها دراساته المعمقة بدءاً من الفلسفة وصولاً إلى تاريخ السلالات. انصب القدر الأكبر من اهتمام النقاد على التعريف بخورخي لويس بورخيس وبما قدّمهُ لمجالات النقد والقصة وما كتبه للمسرح وكذلك جهده المعروف في الترجمة من الإنكليزية إلى الإسبانية و تأملاته الفلسفية الواسعة، وقد ساعد على هذا التجوال الموسع ما امتلكه من معرفة باللغة الإسبانية والإنكليزية، وإجادته للغتين الفرنسية والألمانية، وليس بغريب أن يذاع صيته بعد تقاسمه جائزة «فورمنتر» مناصفة مع صموئيل بكيت، ولا غرابة بعد ذلك أن تترجم جل أعماله إلى اللغة الإنكليزية. الشعر لدى بورخيس مراوغة للمجهول وليس معاينة للحاضر, وإنما معالجة الواقع عبر ماضيه، ورسم وقبول نتائجه وهي بالتأكيد تمرّ عبر شحنات الألم اللذيذ التي تجيء بها المفردةُ المناسبةُ غير الخاضعة لزمن محدّد ومكان محدّد، دون قصد إهمال هذين الغرضين إنه الشكل الآخر الشعري الذي استخلصهُ بورخيس من فلسفته: «إذاً سأكونُ غداً الموت واللغز, أنا الذي أسيرُ مبتهجاً, لن يكون لي قبل ولا بعد مقيماً, أبدياً في مدار سحري ومنعزل, إنهُ شرط التزهد لا أظن أني, أهلٌ بالجحيم ولا موعود بالمجد, من يدري أيّ متاهةٍ تائهةٍ. أي حرقٍ أعمى من البياض سيُدهشُ قدري, حين تُعلمني تجربةُ الموت الغريبةُ عن نهاية المغامرة «. كان بورخيس وعلاوة على ما اطّلع عليه من شتى أنواع المعارف والاتجاهات الأدبية قد قرأ في إسبانيا «والت ويتمان» ووجد به ضالته الشعرية المفقودة، وقد أعجب به إعجاباً لا مثيل له، وكان قبل ذلك قد هيأ قاعدته الفكرية وهو في سن التاسعة عشر عاماً حين توقف وتقبل شوبنهاور ونيتشه والتعبيرية الألمانية، ذلك التزاوج بين الشعر والفلسفة ضمنه الكتاب الشعري الذي أصدره بورخيس والمعنون» القمر مواجهة»، وخلال منتصف الأربعينات جمع بورخيس نتاجه الشعري في مجموعته» قصائد»، وقد ضمت أيضاً مجموعته الشعرية الأولى حماس في بوينس أيرس. كان بورخيس، وخلال مراحل حياته، مساهماً نشطاً في العديد من الصحف الأدبية أو مستشاراً أدبياً هنا أو هناك، لكن الانعطافة الوظيفية في حياته حدثت حين طرد من عمله في مكتبة العاصمة الأرجنتينية إثر موقف سياسي وعيّنَ مفتشاً للدواجن والأرانب في سوق المدينة، وليس من شك أن هناك مناوبة شعرية بين قبوله لفكرة الحياة الشخصية وبين الآفاق المرسومة التي يعيد رسمها شعرياً للتخلص من ضغط الأفكار المقبولة جوهراً، وهو إدراك قمعي حاول أن يسلب من بورخيس معتقداته حول موقف الأنا الغائبة والأنا الحاضرة، وهو ميّال شعرياً للنظر إلى ما بعد البعد لكشف طاقاته الجمالية المخبوءة بين طيات فلسفته الضخمة والتي لم تفلح في صراع شاعريته. |
|