تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


والعـــز أولــه.. دمشـــق

لوس أنجلوس - كاليفورنيا
صفحة أولى
الأحد 7-10-2012
سليمان الصدي

الحرية أسمى ما في الوجود.. عرّفها الفلاسفة والمفكرون قديماً وحديثاً.. واجتمعوا على ان الحرية هي الحالة التي يستطيع الانسان فيها ان يقوم بما يريد هو، لا بما يريده الاخرون،

وهي من الناحية الاخلاقية خضوع للعقل، فالانسان الحر هو الذي يسيره عقله، لا مشاعره وغرائزه، فهل مايجري على ثرى دمشق سعي الى حرية؟!.‏

لقد دفع الزعيم الافريقي مانديلا حريته ثمنا لكفاحه من اجل حرية ابناء وطنه، وكان زعيما في سجنه، يعقد الاجتماعات، ويصدر التوجيهات.. وجملته التي قالها بعد ان انتهت سنوات ولايته شهيرة: لقد نلت حريتي من جديد! وتعني هذه الجملة ان ممارسة الحكم بالنسبة الى الحاكم سجن ايضا.‏

يعني هذا الكلام ان ثمة شراً يستعبد الانسان، ويجعله يسعى الى الحرية، فقد كان الفراعنة قديما يلقون ضحية آدمية في نهرهم العظيم لكي يتقوا شره، ويفيض عليهم، فما الشر الذي يستعبد الناس حاليا؟ هل هو الفقر؟ وكيف حدث هذا الفقر؟ أليس من فساد طبقة بيدها الحكم في المجتمع؟ وكيف نقضي على الفقر ان لم نعالج الفساد الذي اوصل الى هذه المرحلة السيئة من الفقر؟ لقد رأى بعض الفلاسفة ان الخطر الذي يتهدد الديمقراطية يتمثل في ما يوجد في اعماقنا نحن، وفي مؤسساتنا نحن من الميل الى تقبل السلطة والى الانتظام مع الاخرين ، ان سبب مشكلات مجتمعاتنا وفقرها فقدان الثقة بالنفس، وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية، فعماد المسؤولية المعرفة، ولن تتمكن الشعوب من ممارسة حرياتها الا اذا اتيح لها ان تستنير بالمعرفة.‏

ويسمون مايحدث في الشآم سعيا الى الحرية! متجاهلين ان الحرية لا تعني الفوضى بل تعني المسؤولية، تعني ان اتقبل حريات الاخرين كما اريد الحرية لنفسي، لا تعني انك ان لم تكن معي فأنت ضدي، تعني الفكر الواعي المسؤول والمستنير بالمعرفة.‏

اني على ثقة ان الشام ستستطيع ان تعالج الازمة، وتقدم التعريف الابهى للحرية، وتطبقه على ارض الواقع، أليست الشام اكثر الاوراق اشراقاً في كتاب التاريخ؟! ألم يغسل اكبر الشعراء ضفائرها بعطور اشعارهم؟ ألم ينثروا الورود على قدميها كما فعلت مريم المجدلية ذات يوم؟!.‏

لقد سال على ألسنة الشعراء اعذب الاشعار حين حلّ عشق دمشق في قلوبهم، وهل هناك اجمل من القصيدة النزارية التي تبهجنا ونحن نقرأ:‏

فرشت فوق ثراك الطاهر الهدبا‏

فيا دمشق لماذا نبدأ العتبا؟‏

أنت النساء جميعاً ما من امرأة‏

احببت بعدك إلا خلتها كذبا‏

لقد احب دمشق المجد والتاريخ وقال:‏

هذي دمشق وهذي الكأس والراح‏

اني احب وبعض الحب ذباح‏

اما مظفر النواب الشاعر العراقي المغترب فقد رأى دمشق امرأة جميلة بسبعة مستحيلات وخمسة اسماء، وعشرة القاب، مثوى ألف ولي، ومدرسة عشرين نبياً، وفكرة خمسة عشر إلهاً خرافياً لحضارات شنقت نفسها على ابواب، من شرفاتها اطل هشام بن عبد الملك ، ليغازل غيمة أموية عابرة بعد ان فرغ من إرواء غوطتها بالدم، وطار منها صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطة في جبال البيرينيه، انها دمشق التي تحملت الجميع: قوادين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها، مقلمي اظفارها، وخائبين وشهوانيين.. لا تتعب نفسك مع دمشق، ولا تحتر فهي تسخر من كليهما: من يدعي انه يحميها ومن يهدد بترويضها، فتود ان تعانقها او تهرب منها..‏

الحرية يا أخي في الانسانية ليست مصادرة حريات الاخرين، انها تقبل الآخر، والانفتاح عليه، والاعتراف بحريته مقابل حريتي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية