تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


آثار الرقة تحت رحمة المياه الجوفية!

مراسلون
الثلاثاء 21/3/2006
محمد جاسم الحميدي

باب بغداد الرمز,سور الرقة الأثري الفريد بعد اندثار سور بغداد الذي بني سور الرقة على مثاله,وجامعها العتيق بأروقته الشاهقة تعاني من مشكلات جدية أقلها الإهمال وأشدها تسرب المياه الجوفية,وارتفاعها داخل الآبدة سيؤدي عاجلاً أو آجلاً الى تفتيت بعض مقاطع منها والى انهيارها,

إلا أن أحداً لا يرى الكارثة,ولا يسمع وقع خطاها القادمة,ولايحس بالأسى والخسران.. ولهذا فإننا نرفع صوت هذه الآثار,وصرخة استغاثتها الأخيرة فنسأل أين حماتها الذين يتحدثون باسمها في (القضية) ويغيبون عنها حين تحتاج الى نجدتهم كما هو الحال الآن?‏

تقتصر المشكلة المذكورة على باب بغداد,وجزء من السور,وهو الجزء الممتد من باب بغداد حتى شارع المأمون وتشمل الجامع العتيق على نحو خاص.بدأت مشكلة السور وباب بغداد منذ تم ردم الخندق المجاور لهما الذي كان يلعب دوراً هاماً في حمايتهما, لأنه يعد مصرفاً للمياه الزائدة,بعد ردم الخندق وتسوية الأرض حول السور, أقيمت حدائق واسعة,ونوافير في الساحات الشمالية والشرقية المحاذية للسور,وقد تمت حماية هذه برصيف واسع الى جانب السور إلا إن الجزء المتضرر منه والذي يمتد من شارع المأمون الى باب بغداد يحتاج الى معالجة سريعة وحماية أكيدة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية ومن مياه الأمطار والمياه المهدورة في الحدائق,كمال يحتاج الى إعادة ترميم بعض المواقع والأبراج المتضررة والى حراس يمنعون الأطفال من الصعود فوق السور والعبث به.‏

قبل أقل من سنتين بالتأكيد حاولوا معالجة باب بغداد,من تسرب المياه الجوفية والمطرية,فحطموا النافورة ورفعوا الحديقة من الموقع,فاكتشفوا بالمصادفة امتداداً أثرياً لباب بغداد,ما يدل على أنه منشأة أثرية كبيرة,أقيمت بالقرب من الباب,أو أنها منشأة أثرية مستقلة أعيد دمجها بالباب,في كل الأحوال كان يجب أن تدرس المنشأة ويعاد ترميمها على الأساسات المكتشفة وحسب الدراسة العلمية,وقيل أنها درست,لكنهم فضلوا ردمها بحجة المحافظة عليها,أما كان من الممكن أن ترمم جيداً,فنحفظها بالترميم ونكسب آبدة أثرية..‏

لقد اعتقدوا أنهم إن عزلوا الماء من النفاذ الى باطن الأرض فلن يتسرب الماء في الباب,ولكن الماء ظل يتسرب الى الباب,وينفذ فيه,لأنه النقطة الأضعف القابلة لامتصاص الماء,وأذكر أن الآثار دفعت في هذا الترميم نحو مليون ونصف المليون ليرة سورية ومثلها مجلس المدينة,لكن هذا الترميم لم يقم على دراسة,وقد وصل صعود المياه في الآبدة الى علو ثلاثة أمتار.‏

أما الجامع العتيق فهو الأكثر تضرراً إذ أن أسواره تعاني من التملح,وأروقته كذلك ولمسافة متر من الأرض فإن حجارته الفخارية تكاد تتفتت وتذوب,علماً أن الرواق يعاني من ميل واضح في الأعلى يقدر بعضهم أنه يصل الى 40 سم,إن ما نقوم به أحياناً من تجميل لمواقعنا الآثرية(بالحدائق والنوافير) وما نقوم به أيضاً من ترميم لها إن لم يكن مدروساً دراسة علمية وافية قد لا يحافظ على الآبدة الأثرية بل يساهم في تخريبها ووأدها.‏

إن مدينة الرقة تحديداً على وشك أن تفقد أجزاء كبيرة من معالمها الأثرية التي أعطتها تميزها: باب بغداد,سور الرقة الأثري,الجامع العتيق (العمري) وهذا الأخير يعاني مما يعاني منه السور وباب بغداد,لارتفاع منسوب المياه الجوفية,ولوجود حدائق حوله تهدد فيها المياه,وكل هذه الآثار مبنية من مواد قابلة للتخريب والانهيار بسبب الماء:اللبن الطيني المجفف,والآجر المشوي (الفخار) فإن انهارت هذه العلامات,الرموز,الأوابد,فإن الرقة ستصبح أقبح من عجوز شمطاء,فلا ماض يتمتع بالجمال,ولا واقع يتمتع بالحضور أو يعد بمستقبل مشرق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية