|
متابعات سياسية وبخاصة عندما يعاني متخذ القرار من وطأة الضغوط ويسعى لتفاديها بالهروب إلى الأمام، لاسيما عندما تتصدر تلك الضغوط تداعيات اليقين بالعجز عن إنجاز ما يمكن البناء عليه، فتكون الرعونة أو الحماقة أو التهور غير المحسوب سعياً لدفع الخطر العاجل بالخطر الآجل، لكن النتيجة تأتي بعكس ذلك حيث يجتمع الخطران ويقع من يمتلك فائض القوة في المحظور، وهذا ما ينطبق بدقة على حكام تل أبيب، ومن كان وراء القرار باستهداف مجموعة من القادة والمقاومين في مزارع الأمل في القنيطرة بتاريخ 18/1/2014م. إن القراءة الموضوعية لتداعيات ما حدث بمعانيه ودلالاته المتعددة والمتنوعة تؤدي إلى نتيجة واضحة تؤكد المزيد من الإحباط والتخبط والارتباك والطيش والتهور الذي أصاب مفاصل صنع القرار الصهيوني بعد إطلالة سيد المقاومة على شاشة الميادين التي أضافت إلى حماقة حكام تل أبيب مزيدا من الطيش والتهور،فاندفع أصحاب الرؤوس الحامية لاستعراض مظاهر خادعة للقوة إلى درجة كان من المحتمل أن تشعل المنطقة كلها، والجميع يدرك أن مصداقية سيد المقاومة لا تقبل المساس، والصهاينة على يقين من ذلك، لكن الإحباط الكبير الذي خلفته إطلالة سماحته وحديثه الواضح والصريح على قناة الميادين كادا أن يحدثا زلزالا في داخل الكيان الصهيوني المتصدع أصلاً، فخيل لبعض القانطين أن استهداف المقاومة على الأرض السورية سيحرجها ويمنعها من الرد، وهذا يمهد للحد من الانهيارات الدراماتيكية التي تفاعلت بشدة مع حديث الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، فضلا عن تقدير أولئك بأن عدوان القنيطرة قد يدفع السيد لتخفيض سقف الخطاب الذي أعلن عنه إعلامياً لكن حسابات البيادر جاءت بعكس حسابات حقول أولئك، وكان لصمت المقاومة عدة أيام وقع الفاجعة في الكيان الصهيوني، وانشغلت وسائل إعلامه بطرح تساؤلات عدة: هل سيرد حزب الله؟ وإذا رد فأين ؟ وكيف؟ وهل سيأتي الرد موضعياً أم شاملاً؟ لكن السؤال الأهم الذي لم يطرح في تداول جهابذة الإعلام والسياسة هو: هل سترد تل أبيب على رد حزب الله؟؟ في جميع الأحوال لم يتأخر رد المقاومة في مزارع شبعا المحتلة وجاء متناسباً مع العدوان الغادر الذي استهدف ثلة من القادة والمقاومين كانوا في جولة استطلاعية منذ عشرة أيام، وعلى الفور جاء تبني حزب الله للعملية النوعية المنفذة بمهنية عالية وكفاءة تامة تلزم أصحاب التصريحات النارية على الانكماش وابتلاع مرارة العجز عن الفعل المباشر، وقد حمل رد المقاومة عنوان البيان رقم واحد، وهذا يعني الاستعداد لإصدار بيانات متتالية، وهنا ابتلع المرجفون ألسنتهم المتطاولة أمام هول الصدمة والترويع والنتائج والتداعيات، فعملية شبعا وإن كانت تكتيكية في الشكل والمضمون إلا أنها حققت أهدافاً استراتيجية لطالما كانت تل أبيب تتهرب من مجرد التفكير بها، وهنا لابد من التوقف عند عدد من النقاط الجوهرية التي لا يجوز إغفالها، ومنها: - تنفيذ العملية في جو من الاستنفار الأمني والعسكري والاجتماعي داخل الكيان الصهيوني أعطاها قيمة مضافة، وبرهن للجميع أن من يستطيع تنفيذ هكذا عملية في شبعا بمقدوره تنفيذ غيرها حيث شاء ومتى أراد. - أظهرت العملية تفرداً في التحضير والتنفيذ والمتابعة، وتكاملا في تنسيق التعاون وتنظيمه بين الاستطلاع والرصد ورماة مضادات الدروع وبقية المشتركين في التنفيذ، وفي الوقت ذاته كانت دليلا دامغا على فشل استخباراتي وميداني إسرائيلي، مما يولد عشرات التساؤلات التي تنتظر أجوبة يعجز القادة الصهاينة الميدانيون والسياسيون عن تقديمها. - أطلقت العملية يد المقاومة وحررتها من أية تعهدات سابقة فيما يتعلق بقواعد الاشتباك، والقواعد التي كان حكام تل أبيب يأملون فرضها فانقلبت إلى الجهة المناوئة بالمطلق، ولم تعد المقاومة معنية بخطأ حسابات من لا يجيدون الحساب. - تمازج الدم اللبناني والإيراني على الأرض السورية حطم الحدود التي فرضتها اتفاقية سايكس بيكو، وغدت الجبهات متواصلة جغرافياً وسياسياً وميدانياً، ووفق ما يراه أقطاب المقاومة مطلوباً. - طبيعة العدوان الصهيوني الغادر ونجاعة الرد المقاوم كفيلة بتهيئة البيئة المناسبة لانطلاق مقاومة شعبية سورية على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة، وهذا يعني أن ما كان يحلم به المسؤولون الصهاينة من جدار طيب بدأ بالتحول إلى كابوس دائم يؤرق سلطات الاحتلال الصهيوني ويعيد إلى الذاكرة مرارة الهزيمة في جنوب لبنان. - إذا كانت الأيام العشرة الفاصلة بين العدوان والرد تركت الكيان الصهيوني يقف على رجل ونصف،كما قال سيد المقاومة، فعملية شبعا ستلزم الجميع على مضي ما تبقى من العمر على رجل واحدة، وما تبادل التهم وتقاذف أسباب الإخفاق إلا المقدمات التي تؤكد صحة ذلك. أمام هذه اللوحة المتداخلة بمضامينها ودلالاتها يصبح من المسلم به أن الإرهاب العبثي الذي تراهن عليه تل أبيب وأنصارها لن يغير من حتمية النتائج التي غدت محسومة استراتيجياً، والتناغم القذر بين جبهة النصرة وكيان الاحتلال يؤكد أنهما وجهان لعملة واحدة، وما عجز عنه الأصيل الإسرائيلي لن يفلح في بلوغه الوكيل الإرهابي مهما تعددت مسمياته وأساليب إجرامه، ومن حق المتابع العادي أن يتساءل: إذا كانت عملية تكتيكية كعملية شبعا قد حققت كل هذه الأهداف الاستراتيجية، فأية خارطة ستتمخض عنها أية حرب جديدة شاملة في المنطقة؟. |
|