|
إضاءات وحملت عنوان «ملحمة السراب» فيما يشبه استشراف أحداث ستحصل بعد نحو ربع قرن.. اليوم المسرحي المقصود كان الخميس الماضي، وهو يوم دراسي في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، أو للدقة:يوم امتحاني، فقد تم فيه تحكيم مشاريع طلاب السنة الرابعة في قسم التصميم المسرحي،وعرض مشروع طلاب السنة الثالثة في قسم التمثيل، واختتم مساءً بعرض تجريبي لعدد من خريجي المعهد في مبادرة لتأسيس شكل من فن الأداء المسرحي، أكثر ارتباطاً بحياتنا و بزماننا.. يعد قسم التصميم المسرحي من الأقسام الحديثة - نسبياً- في المعهد المسرحي، رغم أنه خرج عدة دفعات من (منتسبيه)، وبعضهم يقوم بالتدريس فيه حالياً. وقد جاء تأسيس هذا القسم استجابة للتحولات المسرحية العميقة التي أدت للانتقال من مفهوم (الديكور) إلى مفهوم (السينوغرافيا)، بحيث لم تعد مهمة المصمم مقتصرة على اقتراح شكل الديكور في حدود المنصة، أو شكل (التزيينات) كما حصل في محاولة محلية ساذجة قبل نحو عشرين سنة لتعريب كلمة (الديكور)، وإنما أصبحت هذه المهمة تشمل فضاء العرض بأكمله بما فيها أمكنة تواجد الجمهور، إضافة إلى الأزياء والإضاءة وملصق العرض ومطويته (البوستر والبروشور).. وعلى هذا الأساس كان على كل طالب في قسم التصميم اختيار نص مسرحي، ثم اقتراح الحلول البصرية له متضمناً كل ما سبق، ومناقشة مشروعه أمام لجنة التحكيم بحضور الجمهور.وقد دلت الكثير من المشاريع على فهم عميق للنص المسرحي، وكذلك لمفهوم (السينوغرافيا)،وكشفت عن خيال بارع لدى عدد من الطلاب، وإتقان جدير بالتقدير عند عدد آخر منهم، إضافة إلى القدرة على التدخل في صياغة النص المسرحي لإنتاج نص جديد من أجل إيصال فكرة بذاتها..وقد يكون من غير المجدي كثيراً الحديث عن عمل لن يتاح للقارئ مشاهدته. لكن ما يمكن قوله هنا إن ما يحصل يؤسس لتحولات مهمة على المستوى البصري، سيشهدها المسرح السوري في نهضته المأمولة القادمة.. اختار الدكتور عجاج سليم نص «ملحمة السراب» لسعد الله ونوس كمشروع امتحاني لطلاب السنة الثالثة من قسم التمثيل، حيث يتمتع هذا النص، بحكم عدد شخصياته، بقدرة على توفير فرص متساوية لطلاب الدفعة لعرض إمكانياتهم، وما اكتسبوه من معارف وخبرات في المعهد، وهو(النص) إلى ذلك يحمل نبضاً راهناً، وإن لم يكن هذا مطلوباً أو ضرورياً في عرض دراسي.وقد نجح الدكتور عجاج في الحفاظ على جوهر النص وروح أسلوب سعد الله ونوس رغم اختصاره للكثير من التفاصيل، فيما نجح الطلاب في تمثل أدوارهم بما يتناسب مع المرحلة الدراسية التي بلغوها,ويستجيب لأمنية دفينة أشار إليها ونوس في لقائه الأخير مع طلاب المعهد حين كان يتحدث عن فواز الساجر، وأمله بأن يهتم المعهد المسرحي بإرث الكتاب والمخرجين المسرحيين السوريين،فهذا لا يتعلق بالوفاء فحسب، وإنما هو أيضاً حاجة ثقافية وتعليمية.. على خشبة مسرح سعد الله ونوس في المعهد المسرحي مهد الممثل سامر اسماعيل، خريج المعهد، للتجربة التي يخوضها مع زملائه لتقديم شكل مسرحي قد نكون بحاجة إليه لمواجهة هذه الفترة القاسية من حياتنا. وقام كل من طالب قسم الرقص وديع الخوري وخريجي قسم التمثيل: حنا عيسى وسعد الغفري وكنان حمدان ومؤيد رومية بتقديم (مونولوجات) فردية تحكي بشكل طريف عن وقائع عاشوها في حياتهم الخاصة والعامة، محققين حضوراً مسرحياً ممتعاً وذكياً، وتفاعلاً جميلاً مع الحضور يجب أن يكون حافزاً للاستمرار بالتجربة ودفعها للأمام.. يوم من زماننا..العنوان المختار لهذه المادة لا علاقة له بمضمون مسرحية ونوس التي تحمل هذا العنوان..وإنما لتقاطعه مع أحداث حياتنا اليومية، سواء فيما قدمه الطلاب، والخريجون، أم في الحدث المرافق.فأثناء مناقشة أحد مشاريع التصميم سقطت ثلاث قذائف صاروخية في محيط المعهد،لكن دويها المرعب لم يمنع الطالب من متابعة عرض مشروعه، وكان من المقرر أن يحضر وزير الثقافة الأستاذ عصام خليل جانباً من التحكيم، فسارع الدكتور تامر العربيد عميد المعهد للاتصال بمكتب الوزير مبلغاً عما يحدث، وعن أن إصابة لحقت بإحدى الطالبات، فجاء الجواب: «حياتنا ليست أغلى من حياتهم »..وبعد دقائق كان الوزير يستمع إلى شرح الطلاب عن أعمالهم، فيما سيارته تقل الطالبة المصابة لتلقي العلاج في أقرب مستشفى..وليستمر البرنامج المقرر كما لو أن شيئاً لم يحدث.. إنه يوم من زماننا نعيشه لأجل مستقبل نريده كما نحلم ..ونستحق.. |
|