|
الافتتاحية فالاتفاق المنجز بين سائر التنظيمات الإرهابية الذي تم تحت الأعين الإسرائيلية وبمباركة أميركية، يؤشر إلى واقع مغاير لا يلغي قواعد الاشتباك، بل يحاول أن يُملي معادلات صراع مفتوح ومتبدل بأدواته ووجوهه!! في العرف الأيديولوجي.. اقتضى الجنوب أن يأخذ أبعاداً سياسية، أغرقت المفهوم في تفسيرات أضاعت الدلالة، واشتقت عوضاً عنه مصطلحات جائرة، برزت في سياق المفاتيح العائمة على سطح المشهد في المنطقة بعد أربع سنوات ونيف من الاستنزاف الممنهج، حين تتحرك أذرع العدوان وهياكله الرئيسية باتجاه واحد وعلى منصة إطلاق معتمدة في إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة يميناً وشمالاً. على هذا المستوى كان التداول السياسي لما يجري في الجنوب السوري مع الإضافات الإعلامية جزءاً من عملية تحريك الأذرع المعتمدة إسرائيلياً، وإن اقتضت الضرورة أن يتدخل الإسرائيلي أكثر من مرة، تحت ضغط الفشل والتأزم السياسي والميداني، أو بحكم العجز عن إدارة الوكلاء الإقليميين لملفات استخدام الإرهاب وتوظيف تنظيماته، حين راكمت من الحسابات الخاطئة والمعادلات المقلوبة، وأدت إلى خلط الأوراق في الأسابيع الأخيرة، الأمر الذي اضطر إسرائيل للتراجع جزئياً عن حضورها المباشر على ساحة الأحداث. القضية اليوم.. لم تعد تقتصر على ما يتم أخذه في سياق جغرافية الجبهة، بقدر ما تحاكي واقعاً استباقياً دفعت به الأحداث إلى الواجهة، حين اضطرت أميركا إلى التدخل لكف اليد الإسرائيلية مؤقتاً، والذي جاء بناء على خلاصات أميركية تم اعتمادها على عجل، وفي ظل ظروف باتت ضاغطة، وكادت أن تقلب الطاولة رأساً على عقب بعد الحماقة الإسرائيلية في القنيطرة، في وقت لم يكن فيه تعويم الدور الاستخباراتي الأردني وليد اللحظة، بل هو نتاج علاقة متحركة لم تتغير عناوينها وإن تبدلت في بعض الجزئيات. اللافت في الحالين أن التطورات المتلاحقة لا تترك فرصة أحياناً للوقوف مطولاً أمام إجابات تتوافر بحكم القرينة الموازية لها على الضفة الأخرى، حيث جاءت هذه التوليفة لتفسر إحجام إسرائيل عن الردّ على عملية شبعا رغم التهديد والوعيد، الذي تحوّل إلى مجرد صدى لظاهرة صوتية سرعان ما تلاشت في سراديب الحسابات الاستخباراتية وأقبية التفسيرات المتلبسة، فيما الأميركي يتولى مهمة ضبط الإيقاع في توزيع المهام وتراتبية أولوياتها. قواعد الاشتباك التي كسرتها المقاومة وفرضت من خلالها إحداثيات جديدة، تقابلها محاولات حثيثة على الضفة الأخرى بموجة من التغييرات طالت التكتيك الأميركي في تحريك رقعة الشطرنج وتموضع البيادق داخلها، وصولاً إلى تغيير في اتجاه المعادلات القائمة، مروراً بخلط الاصطفاف السياسي المعتاد، وما طفا على السطح حتى الآن هو بروز الذراع الإسرائيلية عبر النصرة، وظهور الدور الأردني ملتبساً بأدواره السابقة في التنسيق بين التنظيمات الإرهابية بحلتها الجديدة، وبغطاء أميركي أكثر وضوحاً. الفارق أن الإسرائيلي الذي لجأ إلى النصرة لا يختلف عن الإسرائيلي الذي تدخل بعدوانه ومارس عربدته بالعدوان، وأدار المعارك من الخلف والأمام والوسط، وإذ يبقى الأميركي هو ذاته في الحالين الذي يقود الخراب والدمار في المنطقة، وعلى رؤوس الأشهاد، ولا يُعدِّل في ذلك تقديم بيدق إقليمي هنا، أو استبعاد إسرائيلي من هناك.. تحضر حصرية الاختيار بين الأدوات الأميركية ومعيارها: أنّ مَنْ يقدر على فعل ما عجز عنه العدوان فله الأولوية، وأن مَنْ يستطعْ أن يكون مكان فشل فيه الإسرائيلي بيده، وعبر ذراع النصرة فله الوكالة أصالة ونيابة. الغوص في رمال الجنوب المتحركة لم يعد حكراً على الإسرائيلي، ولا وقفاً على الأميركي، بل يجاريهما الأردني في التعويل على الامساك بخيط فانتازيا «الاعتدال» المصدّر أميركياً، بما يمليه من تغيير في هوية الحاضن السياسي للإرهاب. فالمعركة المفتوحة تستقطب مساحات كبرى في محاور كانت لها معالمها، وساحات مواجهة تتقاطع فيها الأدوار، وعلى نتائجها سيتوقف مصير المنطقة والجزء الأخطر من هوية النظام العالمي في المرحلة المقبلة، حيث الاصطفاف السياسي يتجاوز حتمية الفصل بين المحاور ويطال حتمية إعادة تراتبية حضور الأدوات الإقليمية داخل المشروع الأميركي ذاته, الذي تتصدره الأردن في نسخته المعدلة. |
|