|
تحقيقات وهذا ما دفعنا إلى تسليط الضوء على جزء مهم من القطاع الاقتصادي الذي يعمل في الظل بمحافظة ادلب ضمن ظروف عمل تحكمها الفوضى والعشوائية, وتمارس فيها أنشطة متنوعة قد لا نستطيع الإحاطة بكل جوانبها, لعلنا نساهم بانضوائها تحت سقف تلك الأنظمة انطلاقاً من تناولنا للعقبات التي تحول دون ذلك وخلق فرص لمعالجتها مساهمة منا للحد من السلبيات التي تنجم عن حالة الفوضى التي تحكم الدخول والخروج من السوق الاقتصادية في المحافظة حيث تنتشر المنشآت الاقتصادية خاصة المتوسطة والصغيرة,
والتي تفتقر لأدنى متطلبات الأمان الاقتصادي والاجتماعي فلا ترخيص ولا رقابة وتغيب مع ذلك أدنى شروط السلامة العامة فلا رعاية للعاملين ولا استقرار للمخالفين ولا رسوم ولا ضرائب للخزينة وتغرق السوق بمنتجات لاطعم لها ولا مواصفات, اسم منتجها مجهول والتعاطي معها مغامرة لا تؤمن عواقبها لأنها لا تخضع لأي رقابة, لكن انخفاض أسعارها يجعلها قبلة لأصحاب الدخل المحدود.
تهديد للمساحات الخضراء مع تأخر إنجاز المدينة الصناعية ومناطقها تكاد لا تشرق الشمس على محافظة إدلب إلا وتفاجئ سكانها كتلة إسمنتية تلتهم جزءاً مما تبقى من مساحتها الخضراء التي شوهتها تلك المنشآت المبعثرة المخالفة منها والمرخصة, والتي تشكل تحدياً لأهم الشروط التي نصت عليها القوانين والأنظمة بخصوص منح التراخيص المطلوبة بألا تكون المساحة المطلوب الترخيص عليها لأي منشأة صالحة للزراعة, فيلجأ البعض إلى الاحتيال بتغطية المساحة المحددة بأكوام من الكتل الصخرية والرمال لتنتفي عنها صفة الخصوبة وتتم الموافقة وغيرها من الأساليب التي نجهلها وتمارس للحصول على موافقة الجهات المعنية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر يتم الكشف في مكان والبناء في مكان آخر أما المنشآت التي تقوم دون طلب الإذن من أحد وبعيداً عن أعين الجهات المعنية فحدث ولا حرج, لذلك لابد من الإسراع في إيجاد الحلول الناجعة والمتمثلة في إنجاز المدينة الصناعية ومناطقها التي طالما سمعنا عنها ولا نعلم سبب تأخر إنجازها حتى الآن رغم مرور فترة ليست بالقليلة على تحديد مواقع توضعها.
عدم استقرار... وغياب الإحصائيات بنظرة شاملة إلى واقع المنشآت الاقتصادية في محافظة إدلب نجد أن هناك ما يبعث على القلق جراء الانتشار العشوائي لمنشآت وحرف وصناعات لاتخضع لأدنى مستويات الرقابة, وقد لا نبالغ إذا ما قلنا عدم دراية الجهات المعنية بأماكن توضعها ولاحظنا ذلك جلياً خلال جولتنا على تلك الجهات وعدم قدرتها على تقديم ولو شبه إحصائية لأعداد هذه المنشآت, عذرها في ذلك تنوع اختصاصاتها الذي بدوره يؤدي إلى اختلاف المراجع المسؤولة وبالتالي عدم القدرة على كشف أماكن توضعها, وبحسب قول المعنيين هذا الأمر يتطلب حملة تتضافر فيها جهود كوادر كافة الجهات لإنجاز هذه المهمة وأقله هذا لم يحصل حتى الآن, وعلى ما يبدو أن ما من أحد تساوره النية في تحمل تلك المسؤولية في المدى المنظور, كما أن السمة البارزة للعمل حتى في المنشآت المرخصة هي عدم الاستقرار لأسباب عديدة أهمها: عدم منحها التسهيلات المطلوبة لحث أصحابها على استمرارها وتطويرها لتبقى عرضة لما تشهده السوق الاقتصادية في المحافظة من اضطرابات وهذا ما تظهره إحصائيات العمال المؤمن عليهم وأصحاب الأعمال المشتركين لدى فرع التأمينات والتي قد تشهد تغيرات خلال الساعات وليس الأيام لتبدو محاولة إحصائها من المعجزات وبحسب آخر الإحصائيات فقد بلغ عدد المنشآت الحرفية المرخصة ( 5048) منشأة و (667) منشأة صناعية منفذة وفق القانون (21) لعام 1958 و(17) منشأة وفق قانون الاستثمار رقم (10) وتبقى المنشآت غير المرخصة مشرعة أبوابها تنافس المنتج المرخص بسلبياتها وإيجابياتها إن وجدت كما يدعي أصحابها الذين يدافعون عنها منطلقين في ذلك من مساهمتها في الناتج المحلي.
ولكي نقطع الشك باليقين توجهنا إلى عدد من تلك المنشآت وتحدثنا مع أصحابها فوجدنا لسان حالهم يجمع أن لاخيار لهم أمام الشروط والتعقيدات التي تواجههم عند طلب الترخيص سوى ماهم عليه الآن وهو العمل دون مظلة حماية تخلصهم من ظروف العمل الصعبة التي تدفع معظمهم لهجر منشآتهم بعد إقلاعها. أبو طارق أحد أصحاب تلك المنشآت غير المرخصة يقول: إن ما من أحد يحبذ العمل في الظروف التي نعمل بها معرضين أنفسنا ومنشآتنا لخطر المساءلة القانونية لكن ما يضطرنا إلى ذلك تلك الصعوبات والتعقيدات التي تواجهنا عند طلب الترخيص والمتمثلة بعدم القدرة على تأمين المساحات المطلوبة التي نص عليها القانون والتي تساوي بين جميع المنشآت الصغيرة والكبيرة وارتفاع التكاليف المادية للترخيص وخاصة رسوم نقابة المهندسين الباهظة التي ندفعها ظلماً دون أي وجه حق, لأننا لا نستفيد من أي خدمة من النقابة ناهيك عن أن صاحب المنشأة يكون قد أثقل كاهله خلال رحلة تشييد البناء وترخيصه, وأضاف لم تعد للرخصة أي مزايا يمكن الاستفادة منها لذلك لجأنا إلى هذه المناطق بعيداً عن أعين الجهات المعنية ولا أبوك ولا أبو الشيطان..! ولكي لا نحّمل أصحاب تلك المنشآت وحدهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع القطاع الاقتصادي من فوضى وعدم وجود ضوابط تعمل على الحفاظ على مشروعية المنافسة في السوق الاقتصادية ,وتحرص على تحسين المنتج وجودته وتضمن حقوق المستهلك كان لابد من محاورة بعض أصحاب الشأن من أجل الوصول إلى الحلقة المفقودة ,والإشارة إلى مواطن الخلل فيما آلت إليه السوق الاقتصادية في محافظة إدلب.. الصناعة: الخطوة الأولى من الوحدات الإدارية م. حسين حميدي مدير الصناعة تحدث بداية عن صعوبة إحصاء أعداد المنشآت غير المرخصة لأن مقومات تحقيق هذه المهمة غير متوافرة, لكنه طالب الوحدات الإدارية بتحمل مسؤولياتها تجاه تلك المخالفات لأن الخطوة الأولى لقمعها في عهدتها وبما يخص عوائق الترخيص وصعوباته أقر مدير الصناعة بوجودها مشيراً إلى ارتفاع كلف التراخيص وخاصة المخططات الهندسية,وشروط أخرى لايمكن لطالبي الترخيص تأمينها من مساحات وموافقات خاصة في المنشآت المتوسطة والصغيرة, ولهذه الأسباب مجتمعة يضطر جل أصحابها للهروب إلى المخالفة, كما أضاف أن مفتاح الحل يكمن في إنجاز المدينة الصناعية ومناطقها التي طال الحديث عنها ومازالت حبراً على ورق, وختم مطالباً بوضع تصنيف دقيق للصناعات الملوثة لمطالبتها بمعالجة مصدر التلوث ولكي لايبقى ذلك الأمر خاضعاً لمزاجية البعض بما يخص تطبيق هذه الفقرة على منشآت دون أخرى. الخدمات الفنية: الشروط غالباً غير متوافرة رئيس شعبة الرخص في الخدمات الفنية م. عمار ذكورقال: إن المساحة المطلوبة للموافقة على الرخصة هي أربعة آلاف متر مربع واجهتها لاتقل عن أربعين متراً وأن تكون غير مشجرة وعديمة الخصوبة ونادراً ما تتحقق تلك الشروط مما يضطرنا إلى رفض معظم الطلبات لمخالفتها للشروط, أما المنشأت المخالفة والقائمة على أرض الواقع قبل صدور البلاغ رقم (10) فقد تم منح أصحابها مهلة زمنية للإبلاغ عنها من أجل تسوية أوضاعها بموجب البلاغ رقم (16) الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء, وقد انتهت المهلة المحددة ومازال الجدل قائماً بسبب استمرار تقدم بعض المخالفين بطلبات ترخيص لمنشآتهم بعد انتهاء المهلة الممنوحة لهم مدعين أن منشآتهم قائمة قبل صدور المرسوم كما حدد الحل برأيه لكل تلك المشكلات في إنجاز المدينة الصناعية. م. نجيب بركات رئيس غرفة الصناعة والتجارة: أن مايعانيه الأشخاص الراغبون بالاستثمار في محافظة إدلب من تعقيدات في خطواتهم الأولى (رحلة الترخيص) يدفع معظمهم للتفكير ألف مرة في إكمال تلك الخطوات, ويجعله يقصد محافظة أخرى تؤمّن له مبتغاه حتى ولو كان من أبناء المحافظة, ولهذا يرجع سر افتقار محافظة ادلب للمشاريع الاستثمارية رغم توفر كافة مقوماتها ولأن من تفتح له باب توصد دونه أبواب من الوحدات الإدارية مروراً بالجوار وليس انتهاء بمديرية البيئة لذلك نحن بحاجة إلى قرارات جريئة تساهم باستقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية من أجل انتعاش هذه المحافظة ومنح أبنائها فرصة الاستفادة من مقومات النجاح المتوافرة بين أيديهم من بنية تحتية وأىد عاملة وغيرها من العوامل الأخرى التي لامجال لذكرها الآن. ولكي نكون منصفين في تناولنا لهموم ومشكلات الاستثمارات الاقتصادية في محافظة ادلب كان لابد لنا من الاطلاع على الوجه الآخر لتلك السوق, والذي يعمل بصمت ملتزماً بكافة الأنظمة والقوانين كما يفيد أرباب العمل فيه لكن مسيرتهم لاتخلو من المنغصات. الخشية من التأثير السلبي على تسعير السوق براء سكر صناعي نسيج قال: أهم ما يقلق أصحاب المنشآت المرخصة وهو ذلك التأثيرالسلبي على تسعير السوق من قبل المنشآت المخالفة لانخفاض كلفة إنتاجها وأسباب ذلك عديدة بداية أنها لا تخضع للنظام الضريبي وانخفاض أعداد اليد العاملة وأجورها وعدم التأمين عليها وغالباً مايكون المنتج خاضعاً لعمليات الغش والتلاعب لعدم خضوعها لأي رقابة وعدم وجود أي ثبوتية تدل على أصل المنتج ما يجنبهم أي مساءلة خلافاً للمنتج المرخص وأكد على ضرورة ايجاد تصنيف للصناعات والحرف وتشريع قوانين لترخيص كل صنف بمعزل عن الآخر, فليس من الإنصاف أن يطبق قانون واحد على منشأة تكلفتها ملايين الليرات وأخرى بمئات الألوف في آن واحد وهذا مايدفع أصحاب الحرف والمنشآت الصغيرة إلى التهرب من الترخيص ,وأضاف مطالباً بتسوية أوضاع كافة المنشآت المخالفة وتقديم التسهيلات لها وعدم إغلاقها لأنها تشكل مصدر رزق للعديد من أسر المحافظة وتساهم في خفض ولوجزء بسيط من نسبة البطالة المرتفعة .وختم حديثه متمنياً احتضان أسرة الاستثمار وتقديم التسهيلات لها من قبل الجهات المعنية لاستقطاب أكبر عدد من الاستثمارات الخارجية لأن محافظة ادلب زاخرة بمقومات النجاح لكافة أنواع الاستثمارات. إبراهيم غنام صاحب منشأة لإنتاج الألبان والأجبان: تم إغلاق منشأتي مؤخراً من قبل الجهات المعنية ومثيلاتها بحجة تأثيرها السلبي على البيئة مشترطين علينا في حال الاستمرار بالعمل تركيب محطات معالجة تكلفتها تساوي أضعاف تكلفة منشآتنا . وأضاف السيد غنام أن المنشآت المخالفة تعمل دون أن يتعرض لها أحد وأعدادها أكثر من ضعف الأعداد المرخصة التي تم إغلاقها ولم تتم متابعة العمل في تلك المنشأت المغلقة إلا بعد إبراز عقود لتوريد محطات المعالجة مع بعض الشركات المختصة التي لا ولن يتم تركيبها وكأن الحفاظ على البيئة يمر من خلال وضع تلك الأوراق في الأضابير أو أنها لرفع المساءلة القانونية عن الجهات صاحبة الحق بالمتابعة. المكتب التنفيذي: لاارتفاع في الرسوم المستوفاة م. أمون النعسان عضو مكتب تنفيذي في بداية حديثها دافعت عن نقابة المهندسين نافية وجود أي ارتفاع بالرسوم المستوفاة من قبل النقابة لقاء إعداد المخططات الإنشائية التي قليلاً ما تدخل حيز التنفيذ, حيث يكون الدافع في جلها استيفاء شروط الترخيص, محملة مسؤولية عدم متابعة تلك المخططات على أرض الواقع للإدارة المحلية وأن مسؤولية النقابة تنتهي مع انتهاء إعدادها وتصديقها وهنا نضع إشارة استفهام حول آلاف الليرات التي يتقاضاها مئات المهندسين من النقابة دون مشاركتهم بإعداد ولو مخطط واحد من هذه المخططات. وأكدت المهندسة النعسان أن حاجة المواطن لإيجاد مصدر للرزق تكمن وراء انتشار هذه المنشآت المخالفة والتي قد تم تسوية ما أمكن تسويته منها في ضوء بلاغ رئاسة مجلس الوزراء لهذا الخصوص. أما تصورها للحل كان بلحظ مناطق حرفية ضمن المخططات التنظيمية إلى جانب المناطق الصناعية وعلى أراض غير زراعية وتأهيلها خدمياً للاستفادة منها كتجمعات للمهن والحرف المتوسطة والصغيرة التي تتركز معظم المخالفات في منشآتها وتقليل المساحة المطلوبة للترخيص في هذه المناطق والاستفادة من تخفيض رسوم نقابة المهندسين في حالة تماثل المخططات الإنشائية التي يستوجب تطبيقها إنجاز هذه المناطق. وفي ضوء ما سمعناه وأمام تعاظم الدور السلبي الذي يلعبه اقتصاد الظل في محافظة إدلب وتكرسه تلك المنشآت المخالفة التي يتمثل أسوأ ما فيها باستقطابها عمالة كبيرة من الأطفال الذين يدفعهم العوز إلى التسرب من المدارس ما يشكل تحدياً كبيراً أمام اتساع مساحة الأمية وارتفاع عدد المتسربين والخطر الذي يهدد بانحسار البقعة الخضراء التي طالما شكلت سمة من سمات محافظة إدلب وعدم خضوع جزء مهم من السوق الاقتصادية لأي نوع من الأنظمة والقوانين, ما يجعل تلك السوق عرضة لمنافسة غير آمنة وهذا ما ينطوي على الكثير من المخاطر, لذلك لابد من العمل على وضع تلك المنشآت في ظل القوانين بمنحها فرصة أخرى تكون شروط التسوية فيها أقل كلفة وتعقيداً لتأخذ دورها في تطوير وتحسين الناتج المحلي من خلال المنافسة الشريفة ريثما تبصر النور الحلول النهائية التي أجمع عليها أصحاب الشأن والمتمثلة بإنجاز المدينة الصناعية ومناطقها بغية وضع حد لذلك النزف في الجسم الاقتصادي والاجتماعي للمحافظة الخضراء. |
|