تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة برلمانية.. أزمة.. و أفق مفتوح

آراء
الأربعاء 30/4/2008
سليم عبود

المحمود في الأمر, الاجماع على وجود أزمة معيشية صعبة, ولكننا نحتاج إلى إجماع لتوفير الهمم والإرادة والرؤية لمواجهة هذه الأزمة وتخطيها بحلول ناجعة,

والمطلوب أيضاً الجهات والأسباب المسؤولة عن وجود الأزمة, وإذا كان ثمة من سولت له نفسه فهو من أصحاب النفوس الضعيفة وهؤلاء قلة, فالمطلوب تقويم اعوجاجهم وليس ذلك بالمسألة الصعبة إن توفرت نية المعالجة الرادعة.‏

كل الدول تمر بأزمات, ونحن عشنا الأزمة نفسها مرات ومرات, وغالباً ما تشكل الأزمة مصدر قوة, إذ تدفع بالجميع إلى التأهب والعمل وابتكار الحلول, والقاعدة تقول: (الحاجة أم الابتكار).‏

أذكر..‏

في ثمانينات القرن الماضي, كانت السوق السورية شبه فارغة.. بدءاً من علبة المحارم إلى حبة القمح وترافق كل ذلك بضعف هائل في القدرة الشرائىة للمواطن والدولة معاً, فخزينة الدولة كانت فارغة من النقد الأجنبي لشراء احتياجات المواطنين, ونشطت حركة التهريب من لبنان إلى سورية, وتحول لبنان إلى متجر رابح, في حين نرى أن المتجر السوري مع لبنان خاسر, لأن ما يهرب إلى لبنان من مواد ووقود هي من مخصصات المواطن السوري المدعمة.‏

يومذاك.. بتوجيه من الرئيس الخالد حافظ الأسد, نشطت مبادرات ميدانية وفاعلة وكان تجاوب المواطنين كبيراً مع التوجيه, وقامت الدولة بتسريع وتائر العمل في مشاريع الري (سدود, وقنوات ري) وفي استصلاح الأراضي وزيادة المشاتل لإنتاج الغراس المثمرة من برتقال وتفاح وزيتون, وقامت الحكومة بتسويق الخضار الباكورية, والتفاح من خلال شركة الخضار والفواكه, واشترت الحبوب (قمح وشعير وعدس وحمص) بأسعار تفوق الأسعار العالمية.‏

ودعمت مستلزمات الإنتاج الزراعية(بذور أسمدة, مخصبات, أدوية) لتخفيض تكلفة الإنتاج, وتم إقراض الفلاحين بقروض معفية من الفوائد, ودعمت صناديق الاعلاف لتطوير القطع, وتوافرت المواد العلفية من أجل قطيع الماشية لتأمين اللحوم والألبان ومشتقاتها, وأقيمت مراكز إكثار بذار البطاطا والقمح والحبوب كافة, وفي غضون سنوات قليلة وصلنا إلى الاكتفاء من كل شيء وخرجنا من أزمة الحاجة منتصرين, ودخلنا في أزمة الوفرة.‏

ومن المؤسف أن الحكومة بعد ذلك لم تعالج موضوع الوفرة بشكل علمي, ولو كانت المعالجة لأصبحت سورية بلداً منافساً في سوق الغذاء العربي والدولي.. لأن بترول سورية هو الزراعة, تليها السياحة.‏

من المؤسف أن نشهد اليوم هروباً لليد العاملة الزراعية إلى المدن للعمل في أعمال خدمية لاتخدم الاقتصاد السوري ولا تطوره, للأسف هربت من الزراعة لضعف المردود الزراعي الاقتصادي بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج, وهذا ما جعلنا نتحول من جديد من حال الوفرة إلى حال الحاجة للمواد الغذائية.‏

في المنطقة الساحلية -على سبيل المثال- كان إنتاج الخضار الباكورية يوفر للقطر ما يحتاجه من خضار في فترة مهمة من العام, اختفى هذا الإنتاج تماماً بسبب إهمال هذا المزارع, سواء بالتسويق أو الحماية من الإنتاج المستورد, وبسبب ارتفاع أسعار الأسمدة وأسعار المخصبات والأدوية بشكل مذهل, كيلو بذار البندورة على سبيل المثال بنحو (المليون) ليرة سورية, وكذلك أسعار بذار الخيار والباذنجان والفليفلة ارتفعت بشكل مريع مع سوء في النوعية.‏

وهذا انعكس على مردود الإنتاج في وحدة المساحة, وبعض أنواع البذار نظراً لقلتها راحت تباع بالسوق السوداء, مثال بذار البطاطا, فقد صار شبه مفقود ولا يعطى المزارع إلا خمس حاجته منه.‏

وفي شأن البيوت البلاستيكية انخفض عديد البيوت إلى أقل من العشر في محافظة اللاذقية, وراحت تتناقص في طرطوس نتيجة فوضى الأسعار وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج التي تركت في يد التجار الذين لا يفكرون إلا في جيوبهم وانخفضت اعداد القطيع البقري والاغنام بسبب فقدان السوق من الأعلاف, لماذا.. هل لأن مؤسسة الأعلاف تخلت عن مسؤوليتها لتجار يقدمون أعلافاً مغشوشة أم لأن الدولة أهملت زراعة المواد العلفية?!‏

ارتفعت أسعار الحليب ومشتقاته التي دخلها الغش أيضاًعلى حساب صحة المواطن, فقد صار (السميد) يخلط (بالحليب) إضافة إلى مواد أخرى إلى سحب أغلب دسم الحليب منه, وقد صرخنا مرات ولكن لا من سمع ولا من رأى, وزارة التجارة الخارجية تقدم لنا بين الحين والحين قائمة طويلة عريضة بعدد الضبوط دون السؤال كيف تمت هذه الضبوط وبحق من?!‏

في مجلس الشعب نقول (إننا والحكومة في خندق واحد, وأنا على يقين أكيد أن المواطن السوري في الخندق نفسه لأن الجميع حريصون على قوة المواطن ودعم صموده وممانعته, وهذا الموقف وهذه الرؤية الوطنية تجعلنا نقول للحكومة بكل الحرص إننا لم نقرأ إلى الآن رؤية واضحة لمعالجة ما يجري.‏

طرحت وطرح غيري مرات فكرة إنشاء لجان مشتركة من الحكومة وأعضاء من مجلس الشعب وخبرات اقتصادية من قطاعات الاقتصاد لمناقشة كل أزمة طارئة ووضع الحلول المناسبة لها ودراسة ما يمكن أن يحصل من أزمات ومعالجتها قبل وقوعها, لأن تجاهل الأزمات القائمة, أو تأجيل معالجتها يزيدها تفاقماً.‏

يا أيتها.. الحكومة العتيدة.. نحن نعيش مع الناس, ونواجه أسئلتهم وحزنهم وعتبهم وقلقهم ولا أبالغ إن قلت نقدهم القاسي.‏

أريدأن أسأل: بماذا نجيب.. منذ أشهر ومحطات الوقود تشهد هذا الازدحام الخانق.. لماذا هذا الازدحام.. لماذا نترك المواطن يقاسي الأزمة, ولم يكن يقاسيها.. هل انخفضت كمية المازوت, ولماذا انخفضت.. وكيف نشأت الأزمة?!‏

المواطنون يطالبون برفع الأسعار مع توفر المادة, لأن توافرها بسعر عال يوفر للمواطن جهده وكرامته أفضل من انخفاض سعرها مع عدم توافرها.. منذ أشهر والناس يعرفون أن أسعار المازوت سترتفع, إلى متى?! قال لي أحدهم: يا أخي.. ارفعوا الأسعار وخلصونا, لماذا تتركوننا نغضب, و .... لماذا?!!‏

يقول مهتم بموضوع التسويق: شركة الخزن والتبريد لن تحل الأزمة لأنها أولاً تحتاج إلى آلية عمل جديدة, وإلى إعادة صياغة العملية التسويقية والتجارية بشكل صحيح, وإلى تخليصها من ترهلها البشري والبنيوي, وإلى ضبط حركة أسواق الهال وحماية المزارع والمستهلك من جشع التاجر الوسيط, وإحداث شركات تسويق على أسس حديثة, خاصة ومشتركة لتسويق الفائض الزراعي خارجياً, وسورية مؤهلة لأن تكون بلداً منافساً بالزراعة والتصنيع الزراعي, مساحة هولندا بحجم مساحة سهل الغاب السوري, لكنها تنتج أزهاراً وألبانا وفواكه وأقماحاً تصدر إلى أغلب دول العالم.‏

إن هولندا تنتج قرابة ثلاثين مليار دولار من بيع البذور المهجنة, ونحن ماذا فعلنا, ولدينا من المهندسين الذين صرفنا عليهم في أوروبا دماء قلب الوطن ما يفوق عدد المهندسين والباحثين في هولندا, نحن سوق استهلاك مهمة لهولندا.. لا أريد أن أتطرق إلى مؤسسة إكثار البذار, يقولون إنها ليست بكامل حيويتها السابقة, وسأكتفي بذلك.‏

أتمنى على السيد رئيس مجلس الوزراء تشكيل هيئة وطنية عليا تضم خبرات اقتصادية وفنية من الحكومة ومن خارجها لدراسة كل أزمة متوقعة أو قائمة أو طارئة, فالجميع في خندق سورية الممانعة المقاومة بقيادة الرئيس بشار الأسد الذي يتفهم معاناة المواطنين, ويوجه لمعالجتها بشكل دائم, فلماذا نقف أمام الأزمة ولا نقتحمها?!‏

في هذه النافذة توقفت عند الزراعة, لعلمي ولعلم الحكومة أن الحل الحقيقي لأزماتنا الاقتصادية يبدأ في الزراعة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية