تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


زهير جبور : في كتابي الأول.. ظننت أني سأدخل التاريخ

ثقافة
الأربعاء 30/4/2008
مانيا معروف

قد لا تخلو قصة( أول كتاب) في حياة أي أديب أو شاعر من بعض الطرافة ذكرى (أول كتاب) هي كوشم في الذاكرة لا تمحوه (دستة)من الكتب التي تتوالى بعدها.. في قصة كتابنا الأول الذي سنتناوله هذه المرة..

للأديب زهير جبور بعض من تلك الطرافة الممزوجة بالحلم الذي يبدأ بأول كتاب ولا ينتهي مع آخرها. يقول جبور عن تجربته مع أول كتاب .. وهو مجموعة قصصية بعنوان »الحلم مرة أخرى« ظننت أني سأدخل التاريخ من بابه الواسع, وسأتربع على عرش القصة وأوقع (أتوغرافات) وحولي المعجبات , أمشي في الشوارع نجما وحين نشرت اول قصة عام 1974م في جريدة البعث انتابني هذا الشعور فاشتريت بحدود خمس وعشرين نسخة وكان ثمنها يوم ذاك 25 قرشاً, وقمت بتوزيعها على الأهل والأصدقاء وحين افتتحت دار النشر لاتحاد شبيبة الثورة..‏

اجتهدت بكتابة مجموعة قصصية خارقة متجاوزاً-حسب زعمي-زكريا تامر ويوسف ادريس وبما أنني كنت ممن يحملون شعار الخروج عن المألوف ونسف المفاهيم البالية وقرأت كولن ولسن بوجوديته, وكنت معجباً ببطل (الغريب) لألبير كامي ومفتناً بهنري ميلر حيث مدار الجدي فقد أردت ان تكون مجموعتي الانموذج الأول لخلطة مدارس واتجاهات فكرية لأجسد فيها الحلم .. الشخصية .. المراهقة..الجنون ظنا مني ان الحداثة التي انشدها تقتضي ذلك , وكل هذا بسبب طفولتي الثقافية وعدم استقرار تجربتي وحاجتي للنضج صدرت المجموعة بغلاف كثير الألوان وتسلمتها فشعرت اني أطير في الهواء.‏

كتابي الأول ياللفرحة.. وصرت أحدق بالغلاف, وأعمل على حملها بشكل يبرز اسمي , متوهما ان أحدهم سيستوقفني صارخاَ( من !!الاديب الكبير .. يا أهلا)‏

ليلتها لم أنم فقد كررت قراءة القصص. وكانت صوت باب التاريخ يفتح مرددا صداه بعقلي... أصبح عندي كتاب يالكياني الذي تحقق , واسطورتي التي ستسطع وفي اليوم الثاني التقينا مجموعة كتاب صغار لكل منا حلمه وتعمدت ان يكون حديثي حول الانجاز المنعطف في حياتي:» كتابي تناول شخصيات خارقة حطمت أسوار المجتمع.. كتابي حمل مجموعة افكار لم يتناولها أي كاتب غيري .. كتابي سوف يصنع ثورة الادب الجديد وكانت أول نسخة هدية لفتاة-لن أذكر اسمها - وهي لا تفرق بين القصة القصيرة و»جاط« السلطة, فطارت فرحاً, وقبلت الغلاف, وكانت تظن اني سأسرع لطلب يدها متوهمة ان شلالات المال ستنهمر فوقي, طال انتظاري متابعا للصحف والمجلات, لمن يكتب دراسة عن مجموعتي القصصية, إلى ان قرأت في جريدة الثورة بما معناه(مجموعة قصصية لزهير جبور توحي بموهبة شابة وتعالج بعض الافكار الحياتية لكنها تحتاج لصقل التجربة وعمق المعالجة التي تبدو سطحية).‏

استيقظت من حلمي على تحطم صخرة فوق رأسي, وقد أغلق التاريخ بابه بضجة صدقني كانت تلك الجمل أول نقد أتلقاه منهزما لكتابي الأول, وبعد سنين طويلة أدركت ما هي المعالجة وان كل ما يكتب ليس صالحاً, وقصة لا تتجاوز الصفحة ينبغي ان نشتغل عليها اشهراً عدة والبناء القصصي يتطلب جهداً, والنشر لا يعني بالضرورة الابداع, وليس كل من فكر بالتاريخ دخله..وهي معادلة صعبة جدا فللدخول شروطه ومقوماته وان الناس لا يفرقون بين القصة القصيرة والسلطة وهي الاهم والانفع - فعذرت الفتاة وقد أنجبت حتى الآن دزينة أطفال كبروا بطبيعة الحال, وما فرحت حينذاك إلا لهذا الهدف.. ومررت بالتجربة المريرة, ورغبت فيما بعد لو عملت كبائع للبطاطا على عربة خشبية أدور بها في الشوارع والحارات أضاعف التسعيرة دون هم قصة وبلاغم مثقف, لأحصر الموضوع فيها سأحققه من ربح آخر النهار, ودوريات شرطة البلدية تلاحقني.‏

فما رأيكم بعد ان نشرت حتى الآن ثمانية عشر كتابا بين قصة قصيرة ورواية ونقد وخاطرة.. وقد صدر كتاب يتحدث عني في مجموعة (مكرمون) عن اتحاد الكتاب العرب عام 2005 وحتى هذه اللحظة لم أقرأ ما كتب فيه , ولم أقدمه هدية لأية فتاة.. والنسخة الوحيدة التي وصلتني وضعتها في المكتبة قائلا لزوجتي: هذا كتاب عن ادبي وما كتبت فقالت بسخرية وبرود :ضعه في المكتبة , ففعلت وحتى الآن أطالب الاتحاد بالنسخ المقررة للمكرم الكاتب, ولم تصلني وأنا لا أعطي الموضوع أية أهمية.. فما هو الفرق بين الكتاب الأول والأخير? عشت الأول بروعة الحلم والتوثب نحو المستقبل.. والاخير وصلني مجردا من كل شيء حتى الورق.. فما رأيكم? سأترك الجواب لمن سيقرأ هذا الكلام إن وجد ثمة من يقرأ حتى الآن.‏

المحررة:‏

وطالما ترك لنا الأديب زهير جبور الباب مفتوحاً للجواب.. سأقول بأن هذه الكلمات تحتاج لصقل التجربة وعمق المعالجة.. ولعل هذا الجواب يرضيه او يضحكه, أكثر من جوابي حين سألني بعد قراءته لي على الهاتف ما كتبه.. فقلت له: ان ما كتبه عن قصة كتابه الاول.. جميلة جداً.. فاعترض ممازحاً.. فهل يرضى بجوابي هذا .. إن كان هناك من يرضى .. أليس هناك من قال إرضاء الناس..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية