|
كل أربعاء بعض هذه الرسائل أخذ شكلا دمويا مأساوياً , كما كان الحال في حرب الخليج الأولى بين العراق بما كان العراق يمثله وبمن كان يمثله , وايران بما صارت تمثله وبمن صار يمثلها, وبعض هذه الرسائل شكل إحاطة موضوعية بالواقع الاقليمي والتغيرات الحاصلة فيه, بعد جنوح بعض العرب, نحو تسويات سلام باهت مع الكيان الصهيوني, واللعب بقواعد الصراع ومرتكزاته التاريخية والعقائدية بتشجيع ورعاية واشنطن و بمعزل عن روح القرارات الدولية التي لامست هذا الصراع منذ عام 1948 حتى عام 1973 مروراً بالقرار 242 الذي أفرزته حرب 1967 بنتائجها الكارثية على العرب!. كانت رسالة ايران الاولى للعرب بعد سقوط عرش الشاه ,إقفال السفارة الاسرائيلية في طهران, ورمي مفاتيحها بأيدي الراحل أبو عمار, ايذاناً بانقلاب استراتيجي , ينتقل فيه الايرانيون من ضفة الى ضفة! بحيث يصبح شرطي الخليج الذي كان يرسم خطاه الاقليمية على ايقاع الوصايا الامريكية وضرورات الامن الصهيوني ! هذا الشرطي تحول الى جندي في جبهة المواجهة مع تل أبيب, عقائدياً على الاقل في الاشهر الأولى للثورة. أما الرسالة الثانية فقد تمثلت باحتجاز الرهائن الامريكيين في السفارة الامريكية في طهران , ونشوب صراع مفتوح مع الادارة الامريكية ,صارت واشنطن في غماره في العين الايرانية شيطانا أكبر, وصارت طهران بموجبه في عيون الادارة الامريكية , ركيزة أساسية لمحور شر يتشكل في الفضاء الآسيوي والشرق الأدنى فيما بعد. رد بعض العرب على هاتين الرسالتين المنفصلتين في الشكل ,والمتحدتين في المضمون, بهواجس تصدير الثورة, في البداية وفق تحليل متسرع يقول, ان قيام ثورة اسلامية على الثغور الشرقية للعرب , ينذر بانتشار إشعاعها سريعا الى الفضاء العربي الذي تتشكل مجتمعاته من أثنيات مذهبية يرعاها ويضبط ايقاعها , ولاؤها القومي ومصيرها المشترك وتاريخها ولغتها ! هذه الرسالة كانت دموية , أشعلت حربا طويلة , كان وقودها على مدى قرابة ثمانية أعوام, قوى بشرية تفحمت أجسادها على حدود العرب الشرقية , وإمكانات مادية تطايرت كالقش في ساحة معركة بين العراق وايران , كانت عبثية بكل المعايير , الا في المعيار الامريكي الذي سارع الى توظيفها في مجرى سياسة الاحتواء المزدوج لقوتين اقليميتين , يجاهر بعدائه للاولى منها ايران ويرتاب بالثانية ويحفر لها الكمائن: انجلى غبار الحرب عن خاسرين اثنين , رغم كل ماقيل وقتها عن نصر موهوم في قادسية موهومة كسبت بغداد مغانمها! واتجهت واشنطن وحدها لاستثمار نصرها المؤكد , ففرشت خرائطها في دواوينها الاستخباراتية , وراحت ترسم خطوط عرض وطول جديدتين لمنابع النفط في صحارى العرب: انتفض وعي طهران سريعا , فلملمت كل عناصر العافية المتبقية لديها, واتجهت لبناء قوة ضاربة, تحت عباءة فلسفة واضحة لحكم متعدد المراكز , لصناعة القرار. في هذا الوقت كان العراق يمشي بقدميه نحو فخ محكم نصبته السفيرة الامريكية كلاسبي على رمال الكويت , لتبتلع بغداد الطعم , فتقترف المحرم , ويغزو الشقيق شقيقه ثم ينهار الجميع تحت سطوة القواعد الامريكية التي نفرت لحماية عرب الخليج , من عرب آخرين جاؤوا من بغداد بالسلاح الثقيل , وعادوا بحطام العتاد والارواح! مع كل هذه التداعيات , كان المارد الايراني ,يكمل بناء قوته الضاربة , ويكمل انقلابه الاستراتيجي : فيحصن موقعه على جبهة الصراع مع تل أبيب, ويمد يده بسخاء الى تشكيلات مقاومة اختبرت ايمانها وشجاعة رجالها في فلسطين ولبنان , ويطور خطابه العقائدي الداعي الى استئصال النظام الصهيوني من فلسطين, بعناد لم يشهده تاريخ هذا الصراع من قبل. هذا الوصل الذي مدت طهران حباله نحو العرب كمايفترض صار فصلا بينها وبين بعض العرب في الواقع , باعتباره مرة اخرى شكل من أشكال تصدير الثورة , وتدخل سافر في رسم لوحة عربية, تشكلت بأصابع عربية, ولاتقبل التغيير أو التبديل ! وبين هذا الوصل والفصل تكمن العقدة المستعصية!. |
|