تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العدوان في حلب..عويل لإخفاء الهزيمة وقطع طريق التحرير

متابعات سياسية
الثلاثاء 3-5-2016
بقلم: العميد د. أمين محمد حطيط

احتلت المواجهات في حلب مؤخرا موقعا مميزا على لائحة التضليل الإعلامي الذي مارسه معسكر العدوان ووقع فيه للأسف البعض من اعلام معسكر الدفاع عن سورية.

تضليل شاءته الآلة الإعلامية لمعسكر العدوان من اجل حجب الإخفاق الكبير الذي أصابها وانتهت اليه خطتها في حلب التي كان مقدرا لها او كانت قيادة العدوان على حلب تتوخى منها تغيير معادلات ميدانية تمكنها من إعادة رسم توازنات سياسية تصرفها في اروقة المباحثات في جنيف اوعلى طاولة التفاوض إذا توصل الأطراف الى مرحلة التحادث المباشر.‏

ولنقف أكثر على حقيقة ما جرى ويجري في حلب وما يتوقع ان يصار اليه بالضغط او المناورة الاحتيالية، ينبغي ان نقف على إحاطات رئيسية سبقت جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف.‏

ففي البدء كانت هناك مناكفة حول موعد بدء الجولة، وأصر دي ميستورا وبتوجيه أميركي على تعيين موعد 13 نيسان الفائت موعدا لبدئها رغم ان الوفد السوري الرسمي كان ابلغه بخصوصية هذا الموعد وان الانتخابات النيابية السوري ستجري فيه، لكن دي ميستورا تمسك به وكأنه مقدس رغم ان عادته في تغيير المواعيد باتت مألوفة، معروفة لكنه هذه المرة أصر عليه من اجل احراج سورية وتحميلها مسؤولية عرقلة العمل على المسار السياسي، الامر الذي اتقنت سورية التعامل معه وافشلت المناورة الأممية الأميركية بالشكل المناسب.‏

وبعد وصول الوفد السوري الرسمي الى جنيف، وبدء الحديث غير المباشر – عبر دي ميستورا-مع ممثلي معارضة الرياض، تبين وبوضوح ان هؤلاء لديهم أوامر من السعودية وتركيا بعدم الخوض الجدي في المباحثات لا بل وتفجيرها تحت ذرائع واهية والتمسك بالمطلب التعجيزي الذي يدركون جميعا انه غير مطروح على طاولة البحث لا اليوم ولا غدا – المطلب المتصل بموقع الرئاسة السورية -وبعدها القيام بتصرفات صبيانية استفزازية فلم يعبأ بها فاستشاطوا غيظا وعلقوا المفاوضات وأعلنوا انهم أصدروا الأوامر بتفجير الجبهات.‏

سبق تصرفهم هذا أن واكبه قيام المجموعات المسلحة في منطقة الشمال السوري بتحرشات وعمليات عدوانية شكلت خرقا واضحا لقرار وقف العمليات العدائية، أدت الى دخول تلك الجماعات الإرهابية الى بعض مواقع الجيش العربي السوري بعد ان استعملت الغازات السامة على مرأى ومسمع الرعاة الاقليميين والدوليين ودون ان يحرك أحد منهم ساكنا رفضا او ادانة.‏

من مجمل السلوكيات تبين للمعسكر المدافع عن سورية بان ما كان يحكى عنه من خطة أميركية بديلة الخطة (ب) تتعلق بسورية، او خطة صهيوسعودية تتعلق بحزب الله مع سورية، هي خطط فعلية وليست تهويلا إعلاميا كما ظن البعض، وان هذه الخطط وضعت بالفعل موضع التنفيذ في حلب، او لنقل ان حلب شكلت في الخطتين المرحلة التنفيذية الأولى التي ترمي مرحليا الى وضع اليد على حلب كلها وربطها بتركيا عبر جيب إرهابي بعرض 25 كلم عبر اعزاز تكون وظيفته تحقيق 4 اهداف: أولها: تحقيق التوازن الميداني مقابل تدمر، ثانيها: إقامة منطقة تركية عسكرية داخل سورية، ثالثها: فصل منطقة سيطرة الاكراد الغربية (عفرين ) عن منطقة سيطرتهم الشرقية شرقي عين عرب، وأخيراً: اجهاض الخطط السورية الموضوعة والملوح بها لاستعادة حلب بكاملها.‏

لقد كانت العمليات العسكرية التي الهب الارهابيون بها محاور المواجهة في حلب عمليات مخططة وتندرج في إطار الخطة الأميركية البديلة والخطة الصهيوسعودية ولم تكن مطلقا عملا عابرا او هفوة ارتكبت ولذلك كان السكوت الأميركي المطبق عندما فجرت الجبهات في محيط حلب وعندما دخلت الجماعات الإرهابية الى العيس وتلتها، لا بل كان ترحيب ضمني واضح بهذا الإنجاز الإرهابي، ثم اشتد الصمت تعبيرا ولم تنبس اميركا ببنت شفة عندما أعلن وفد الرياض في جنيف عن تعليق مشاركته في المباحثات وتفجير الجبهات، لان اميركا كانت تنتظر ان تنهار الدفاعات السورية في حلب وتحقق التوزان الميداني وعندها تتمكن من استئناف العمل السياسي بشروطها التي لا زالت في العمق تتمسك بها والتي تختصر بعبارة «وضع اليد الأميركية على سورية وقرارها.‏

ان التصرفات الأميركية المتعددة بدءا من تزويد الجماعات الإرهابية بالسلاح النوعي – صواريخ ستنغر م/ط - وارسال 250 عنصرا عسكريا الى سورية ومنع تصنيف احرار الشام وجيش الإسلام جماعات إرهابية وصولا الى سكوت اميركا عن تفجير الوضع الميداني وانسحاب وفد معارضة الرياض من جنيف وسكوتها عن استعمال الأسلحة الكيماوية ضد الجيش العربي السوري كل هذه الأمور لا يمكن ان تكون منعزلة او متناثرة بل هي كلها في السياق التنفيذي للمرحلة الأولى من الخطة الأميركية البديلة، التي عولت عليها اميركا لتحقيق امرين بشكل سريع قطع الطريق على الجيش العربي السوري ومنعه من استعادة حلب كما كان قد لاح في الأفق، ثم وضع اليد الأميركية على حلب عبر الإرهابيين الذين تسيرهم وتستثمر بهم.‏

لكن يقظة الجيش العربي السوري وحلفاؤه اجهضت الخطة الأميركية التي حققت نجاحا محدودا في العيس وتلتها مع استعمال الغازات السامة ولم تنجح في باقي الخطة، لا بل تكبد المهاجمون خسائر فادحة تجاوزت في يوم واحد300 قتيل، ما أدى الى ادراك الإرهابيين بان خطتهم اكتشفت وفشلت فانقبلوا الى الانتقام وصبوا غيظهم وحقدهم على مدينة حلب وعلى المدنيين فيها، في سياق ما اسموه اشعال الجبهات، حقد ترافق مع صخب وتضليل اعلامي الى الحد الأقصى بحيث ان المدفع والكاميرا العدوانية عملا معا فكانوا يقصفوا المدنيين ثم يعلنون ان الجيش يقتل وان حلب تحترق.‏

لقد أراد الارهابيون وقيادتهم العدوانية من التضليل والتحريف الإعلامي ان يحققوا أمورا أساسية بالنسبة لهم أولها حجب هزيمتهم في حلب وضياع فرصتهم في وضع اليد عليها، تغيير طبيعة المواجهة في حلب من طابعها العسكري الميداني الى وجه انساني فيه الجرائم والفظائع التي يلصقونها بالجيش العربي السوري ، ثم ادخال حلب في دائرة وقف الاعمال القتالية حتى يقطع الطريق على الجيش العربي السوري من استعادتها وهنا كان واضحا الى حد الوقاحة الشديدة وزير خارجية فرنسا عندما ابدى «قلقه من استعدادات يقوم بها الجيش العربي السوري لاستعادة حلب».‏

و بكل وضوح نقول ان اميركا هي الأساس في معركة وحالة حلب اليوم وان الإرهاب الذي اثخن حلب بالجراح واسال الدماء وهدم البناء فيها، ثم قلب الحقائق وأراد ان يستثمر المآسي التي أحدثها بالجرائم التي ارتكبها، أراد ذلك من اجل التغطية على هزيمته وكسب القوت من اجل التقاط الانفاس وإعادة التنظيم للعودة للميدان مرة أخرى بعد رفع القدرات وتلافي الثغرات التي قادته الى الهزيمة على أبواب حلب، ومن اجل ذلك نرى كيف ان الاعلام المعادي شن الحرب النفسية مبدلا الحقائق وكيف انه يريد اليوم ادخال حلب التي يسيطر على بعض احيائها فصائل إرهابية تعمل بإمرة النصرة الإرهابية، في نطاق وقف الاعمال القتالية، علما ان الإرهابيين هم من اسقطوا القرار واشعلوا الجبهات.‏

بالمقابل نجد ان سورية وحلفاءها ومنذ اسبوعين اي من تاريخ وضع الخطة الأميركية موضع التنفيذ، اتخذوا في حلب موقع الدفاع الذي يقوم بردات الفعل في مرحلة أولى للانتقال في مرحلة ثانية الى ما كانوا اعلنوا عنه من اطلاق خطة تحرير حلب بكاملها لاستعادتها الى كنف الدولة، وهم حتى الان نفذوا العمل الدفاعي الذي احتوى الهجوم المعادي واجهز على امال اميركا وتركيا والسعودية في المنطقة، ومنع الإرهابيين من تحقيق أهدافهم في حلب، ولانهم نجحوا في دفاعهم ولانهم اجهضوا خطة الخصم فان الأخير استعمل كل قدراته السياسية والإعلامية لحجب الهزيمة التي حلت به ولكسب الوقت والعودة الى الميدان مرة جديدة، ولأجل ذلك كانت تلك الحرب النفسية والتضليل الإعلامي واتهام الجيش العربي السوري بالجرائم التي ارتكبها الارهابيون، ولأجل ذلك أيضا جاء كيري الى جنيف لإعادة العمل بقرار وقف العمليات القتالية والحاق حلب في دائرته.‏

اما الرد المتوخى على المناورة الأميركية التركية السعودية الجديدة فيبدو واضحا انه قائم على وجهين سياسي اعلامي وميداني عسكري، يتجسد بفضح ما حصل وابراز حقيقة الجرائم الإرهابية بحق المدنيين في حلب ورفض أي هدنة فيها يستفيد منها الإرهابيون الذين تقودهم جبهة النصرة وتاليا تركيا، ثم، وهذا هو الأصل، متابعة معركة التطهير لتكون حلب هي الهدف التالي بعد تدمر الذي يفهم الإرهابيين ورعاتهم بان امالهم في سورية مستحيلة التحقق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية