|
مئوية شهداء
لأجلِ ذلك، اخترنا الغوص معها في «بحر الصمت» البحر الذي غاصت فيه فاستبعدت منه ما أوجعها واستخرجتْ ماجعل «وطن من زجاج» رواية تحكي إبداعها.. أيضاً، قصيدة وإن طلبتْ ممن قصدتهم فيها بأن «سامحونا» إلا أنها مافعلت ذلك، إلا بعد أن رأت مقدار تضحياتهم، ومقدار ماقُوبلت هذه التضحيات، بعجزِ وآثام من وقفوا مكتوفي الأخلاق أمام عظمة الشهادة وقدسيةِ أرواح من افتدوا الوطن وافتدونا.. إنها «ياسمينة صالح» الأديبة الجزائرية التي عشقت دمشق مثلما عشقت الجزائر. دمشق التي خاطبتها تضامناً وحباً وولعاً: «دمشقُ السيوفُ التي مازالت تصدّق بريقَ فرسانٍ مرّوا من أبوابها المتَّصلة بريش الحكايات القديمة حيث تسكن الأشياء التي لاتقال مرتين.. دمشق حقل الياسمين المُتوج على ناصية الشبابيك، وعلى حافة القلوب التي تؤمن، بأن لاوطن، خارج تفاصيل البياض في ياسمينةٍ يضعها الدمشقي على شبّاكه، كتميمةٍ تقيهِ من الحسد».. نعم، لقد عشقت «ياسمينة» دمشق، لأنها تشبهها في ناصع قلبها وحرفها. لأنها التاريخ وذاكرة إبداع من امتهنوا الكتابة عنها كمدينةٍ لايجوزُ لغيرِ أهلها: «لايجوزُ لغيرِ أهلها الذين تمرَّغوا في ترابها وشوارعها الخروج بلقبٍ دمشقي.. دمشق الحلم الأول والأزلي.. رغبة في الحياة بأبَّهةٍ تختزل كل المعارك التي دخلتها لتنتصر أو لتموت واقفة غير آبهةٍ بالرثاء الذي يأتي ممن داسوا في حواريها بأكثر من سببٍ للضغينة أو القتل.. دمشق التي ترفض أن تموت كي يحيا الجبناء.. دمشق الهوى لاتفصلهُ الحواجز المزيفة بين مدينتين، ولاتسقطه الشعارات التي تُرفع على عجل، أو تلك التي يُخرج سيناريوهاتها، من أرادوا النيل من جمالها وحين لم ينالوا، كرهوها عن فشل مثلما كرهتهم عن جمال».. هذا ماوجدته «ياسمينة» التي ومثلما عشقت دمشق وياسميننا، عشقت أيضاً جزائرها ومن تمرغوا في ترابها وعانقوا أرضها، ودون أن يجدوا من يعانق أرواحهم بحرفه معتذراً عن عجزه، كعناقها واعتذارها، بأن: سامحونا: «سامحونا.. نحن الذين سكتنا دهراً ونطقنا شراً نحن الذي عبرنا الكلمات كلّها كي لانقول شيئاً.. كي لانقف في الصفوف الأمامية خوفاً من موتٍ يرافق خُطانا.. اليوم نستيقظ على دمكم الغزير.. على وجهكم الذي نعرفه جيداً نعرفُ كم خُنَّاهُ في مسيرتنا الطويلة نحو الوهم الذي أسميناه.. سلاماً أيها الطالعون من الصمت.. الصارخون بالشهادة.. الغاضبون.. الثائرون.. الرائعون كيفَ استطعتم استدراجنا إلى هذا المدى المفتوح على دمكم لنعرف حدود خيانتنا الطويلة، وما اقترفناه بحقكم من الآثام.. سامحونا».. |
|