تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قيـم الشهادة وصورها الرمزية والدلالية..

مئوية شهداء
الثلاثاء3 -5-2016
أديب مخزوم

أبرز الفنان التشكيلي السوري المعاصر، قدرة لافتة في التعبير عن معاني الشهادة والتضحية، في سبيل الحق والواجب والوطن الواحد، دون أن يقدم تنازلات فنية على الصعيدين التشكيلي والتقني،

‏‏

حيث سعت التجارب الفنية الجادة والحديثة، لتجاوز السياق التصويري التقليدي والتسجيلي، في خطوات الوصول إلى اللوحة أو المنحوتة الفنية، القادرة على تأكيد الخط التصاعدي الاسلوبي، الذي يدمج بين الإيقاع العفوي والهندسي والغنائي، ويحقق التطور الذاتي، في معالجة الموضوع الوطني، بعد النضوج الأسلوبي والتقني، وهذا الارتباط بالمفاهيم الجمالية الحديثة، جعل العمل الفني يتملص شيئاً فشيئاً من أفقية الامتداد التسجيلي، في اللوحة والمنحوتة معاً، ويدخلنا مباشرة إلى عوالم التشكيل الفني، الأكثرعمقاً وسبراً للأغوار الإنسانية العميقة عبر تطلعات وتداخلات وتحولات ثقافة فنون العصر.‏

‏‏

الشهيد للفنان فاتح المدرس‏

وفي هذا السياق قدم الفنان الراحل فاتح المدرس عدة لوحات تحت عنوان (الشهيد) من ضمنها لوحة (زيتية على قماش) تعود لعام 1967 قياس 225*125 ولوحة أخرى قدمها عام 1985قياس 85* 65 سم (زيتية على قماش) وفيهما جسد معاني الشهادة بأسلوبه التعبيري الحديث، ولهذا لا يمكن فصل لوحاته المعبرة عن معان وطنية، عن تداعياته وهواجسه الطفولية، والتي حرر من خلالها الأشكال، وأدخلها في تقنية صياغة الألوان العفوية والرؤية الارتجالية، للوصول إلى الصياغة التلقائية، التي تفسر في النهاية معالم هذا الهاجس الوطني، الذي كان يسكن خطواته، بقدر ما كان يذهب إلى ترجمة انفعالاته وعواطفه وتوجهه التعبيري الطفولي.‏

جدارية ميسلون للفنان عاصم زكريا‏

ويمكن اعتبار الفنان عاصم زكريا أحد الفنانين الذين جسدوا حيوية المعارك النضالية ضد الاستعمار، ففي جداريته (ميسلون) يؤكد أنه فنان الشكل الواقعي المشحون ببعض اللمسات العفوية، التي تحرك لمساته اللونية الهادئة، وتعمل على إظهار عصب الظل والنور، وتستعيد حيوية التأليف المتوازن والمدروس، في إيقاعات الاحصنة وحركة الفرسان. وبالرغم من نزعته الواقعية، يشعر دائماً بحاجة ماسة،إلى انتماء لصياغة واقعية فيها شيء من الحداثة، عبر شاعرية لمساته اللونية،ففي كل مرة يعود فيها إلى رسم الواقع وموضوع المعركة، يريد الغوص في معطيات إمكانية المادة اللونية والتنويع التقني واللمسة الخاصة. وعلى هذا يبدو راغباً في ممارسته الفنية التملص من اللوحة التسجيلية، والوصول إلى لوحة واقعية حديثة، تبرز في أحيان كثيرة تعاطفه مع الأحداث الوطنية والقومية، وفي هذا النطاق يظهر عاصم زكريا كفنان ملتزم يعالج بلوحاته أكثر من ملحمة عسكرية وبطولية، وقد ترسخ التزامه بشكل خاص عبر معطيات لوحاته الجدارية (ميسلون وحماة الديار وغيرهما) وفي جدارياته ولوحاته يسجل وبصورة بانورامية ملاحم البطولة بكل أبعادها ورموزها الوطنية.‏

حسن الخراط للنحات عدنان الرفاعي‏

وحقق عمل النحات الراحل عدنان الرفاعي، المدرجات شبه الحقيقية، في قسمات وجه الشهيد حسن الخراط،، ولقد تطلب العمل، المزيد من التنقيب والبحث المتواصل، حيث استطاع الحصول على بعض الصور النادرة له، والتي ساعدته في إظهار صفات وخصائص وروح شخصيته التي مثلها أو جسدها، بعد تقصي أخباره والإحاطة بجوانب شخصيته وحالته النفسية. ويبقى العمل بحيويته الواقعية شاهداً على متانة اللمسة وقوة الضربة وملامح الشبه والحيوية. وظل فناننا الراحل حتى اللحظات الأخيرة، يسعى لتحقيق حلمه بتحويله إلى نصب ضخم في وسط الساحة، التي استشهد فيها المجاهد الكبير. وتعود فكرة إقامة نصب المجاهد الشهيد حسن الخراط إلى العام 1990 حين أعلنت محافظة دمشق عن مسابقة فاز على أثرها النحات الراحل عدنان الرفاعي بالجائزة الأولى.ولقد أثيرت خلال السنوات الماضية العديد من التساؤلات عن مصير هذا المشروع الوطني، بعد انحسار دور الجهات المعنية في تنفيذ هذا الحلم،الذي يعتبر بمثابة الفسحة التذكارية الحقيقية لتعريف الأجيال المتعاقبة ببطل معركة الغوطة، والذي أدرج اسمه في قائمة الثوار البارزين، الذين جسدوا حيوية المناخ الملحمي البطولي.‏

أعمال النحات أيمن السليم‏

ولقد أنجز الفنان أيمن السليم، عدة أعمال نصبية مرتبطة برموز الوطن والاستقلال، وكان في أعماله يركز لإيجاد مناخات تعبيرية، تكشف عن مدى طواعية الكتلة للرؤى التشكيلية الوطنية، فهو يمارس الرسم والنحت، ويقدم منحوتات واقعية، مهيأة لأن تنفذ كأنصاب نحتية، تحاور عيون الناس في الساحات والحدائق والأماكن العامة، وحين جسد حركة الشخصيات الوطنية التاريخية، المعبرة كشخصية المجاهد الشيخ صالح العلي والشهيد يوسف العظمة والمجاهد أحمد مريود وغيرهم، فإنه أقنعنا أن الدقة في معاينة المظهر الخارجي، هي من ضمن السبل الهادفة إلى كشف التعابير الإنسانية في قسمات الوجوه، وهو أيضاً حين يجسد بعض القادة والشخصيات التاريخية الوطنية، فإنه يساهم في زيادة احساسنا وحرارة إيماننا بصلابة الإنسان العربي، وبقدرته على دحر العدوان، وهذا يزيد من عاطفة التعلق بالوطن، والإيمان بالبطل المنتظر.‏

وهذه المواضيع تشكل مادة خصبة للعمل في إطار النحت الواقعي، الذي يميل إليه منذ بداياته، لأن تجسيد الشخصية يتطلب المزيد من الدراية والجلد والتأني والصبرالطويل، كما أن تجسيد الشخصية التاريخية، يتطلب البحث والتنقيب عن الصور الأصلية والنادرة، والأحاطة الكاملة بحياة الشخصية، ومعرفة الحالة النفسية التي كان يتسم بها، والعمل على اظهارها وابرازها في في المنحوتة المجسدة في الابعاد الثلاثة. وصياغة المنحوتة الواقعية تشكل مدخلاً لإظهار قدرة النحات على معاينة الشكل وإظهار ادق درجات الدقة وعناصر الشبه وغير ذلك من القواعد الأكاديمية الثابتة والصارمة.‏

وهذه الاشارات تساهم في تكريس معاني الشهادة، ضمن معادلات جمالية جادة، تتطلبها الأعمال الفنية الحديثة الصادقة، فالانفعال وحده لا يكفي، لا بدّ من الوعي، حتى تأتي الأعمال، معبرة عن شتى حالات المشاعر والأحاسيس الصادقة،التي يعيشها الفنان أثناء إنجازأعماله الفنية. التي أبرز من خلالها، مقدرة عالية في النحت الواقعي الصحيح، ووصل إلى حدود التجاوز بإضفاء الحيوية والحركة، وبملامح حية وغنية بالصفات التي ميزت الشخصيات الوطنية.‏

وأيمن السليم حائز على المركزالثاني في مسابقة نصب الشيخ صالح العلي، والمركز الثالث في مسابقة نصب الشهيد يوسف العظمة، وغيرهما من الجوائز وشهادات التقدير.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية