تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوروبيون مرّوا على درب آلام السوريين قبل 70 عاماً.. سورية وفلسطين ومصر .. ملاذ اللاجئين الهاربين من الحرب العالمية الثانية

الثورة - خاص
صفحة أولى
الثلاثاء 3-5-2016
على نفس الخطا وبذات درب الآلام قبل 70 عاماً مرّ الأوروبيون برحلة اللجوء هرباً وفزعاً من جحيم الحرب العالمية الثانية، فكانت سورية وفلسطين ومصر واحات أمان وجنات واسعة للاجئين الأوروبيين وكان السوريون هم من يغيثون الملهوف الهارب من ضفة المتوسط المقابلة فاتحاً ذراعيه لاستقباله ومقتسماً لقمته مع أخيه بالإنسانية.

‏‏

اللاجئون الأوروبيون منذ أكثر من 70 عاما سلكوا نفس الطرق التي عبرها السوريون اليوم ولكن في الاتجاه المعاكس أثناء الحرب العالمية الثانية، فأقامت منظمة الإغاثة واللاجئين بالشرق الأوسط مخيمات اللجوء في سورية ومصر وفلسطين، وكانت هذه المخيمات ملاذاً لآلاف اللاجئين الأوروبيين.‏‏

موقع الراديو العام العالمي ( PRI ) نشر تقريراً يعرض فيه الأوضاع المعيشية للاجئين الأوروبيين في المخيمات السورية والعربية التي استقبلت الآلاف منهم أثناء الحرب العالمية الثانية.‏‏

ووفقاً للتقرير، فقد كانت منظمة الإغاثة واللاجئين جزءا من شبكة مخيمات اللاجئين حول العالم، وكانت الحكومات الوطنية في سورية ومصر وفلسطين هي المسؤولة عن إدارتها بشكل شامل، كما ساهمت في إدارة تلك المخيمات أيضا مجموعات تابعة لمنظمات دولية مثل خدمة الهجرة الدولية والصليب الأحمر ومنظمة الشرق الأدنى ومنظمة أنقذوا الأطفال.‏‏

أحد مصادر التقارير وهو من قام بتصميم خريطة لمواقع المخيمات يذكر حينها أنه لا تتوافر العديد من المعلومات في السجلات الأرشيفية عن ديموغرافية مخيمات اللاجئين أثناء الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط ، بيد أن المعلومات المتوافرة تظهر أن المسؤولين عن إدارة المخيمات توقعوا أنه بإمكان المخيمات استيعاب أعداد أكبر من اللاجئين بمرور الوقت.‏‏

ويشير التقرير أنه، في آذار 1944، أصدر المسؤولون الذين عملوا في منظمة الإغاثة واللاجئين وخدمات الهجرة الدولية تقارير عن مخيمات اللاجئين كجزء من جهود تطوير الظروف المعيشية بها، واحتوت تلك التقارير على تفاصيل دقيقة عن حالة المخيمات مشيرة إلى وجود لاجئين فروا من بلادهم مثل بلغاريا وكرواتيا واليونان وتركيا ويوغوسلافيا وغيرها، وجميعهم اضطروا للتأقلم مع الحياة داخل المخيمات في الشرق الأوسط.‏‏

التسجيل في المخيم‏‏

يذكر التقرير أنه لدى وصول أي من اللاجئين للمخيمات في مصر أو سورية أو فلسطين، كان لزاماً عليهم أولا التسجيل رسميا في المخيم، والحصول على بطاقة تعريف خاصة بالمخيم، والتي تحتوي مجموعة من المعلومات كاسم اللاجئ والرقم التعريفي الخاص باللاجئ وتعليمه وعمله ومهاراته الخاصة، وكان هناك سجلات للمخيمات تسجل فيها بياناتهم كرقم البطاقة التعريفية والاسم كاملاً والنوع والحالة الاجتماعية والمهنة ورقم جواز السفر وأي تعليقات خاصة بكل فرد، وتاريخ الوصول ويضاف إليها نهاية تاريخ مغادرة المخيم.‏‏

كما أظهرت بعض المخطوطات اليدوية في أرشيف جامعة مينيسوتا الأميركية أن منظمة الإغاثة واللاجئين كانت تشرف على أكثر من 40000 لاجئ، أغلبهم من النساء والأطفال، في مخيمات اللاجئين بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تموز 1944.‏‏

ويواصل التقرير سرد دورة اللاجئين في هذه المخيمات، بمجرد التسجيل في المخيم يبدأ اللاجئون بالمرور بمجموعة من الإجراءات، أولها الكشف الطبي، فيتجهون لمستشفيات المخيمات التي كانت غالبا في خيام وأحيانا في مبان للرعاية الصحية لكنها مهجورة أو فارغة، فيخلعون عنهم ملابسهم وأحذيتهم ويقوم المسؤولون عن المخيم بغسلهم حتى يتأكدوا من خلوهم من أي عدوى أو أمراض معدية.‏‏

كيف عومل اللاجئون الأوروبيون‏‏

في مخيماتهم بحلب..؟‏‏

ويذكر التقرير أن بعض اللاجئين مثل اليونانيين الذين وصلوا مخيمات حلب من جزر دوديكانيسيافي 1944 ، كانوا يخضعون للكشف الطبي يوميا وبمجرد أن يطمئن المسؤولون عن المخيم أنهم آمنون، يتم توزيعهم على الخيام في المخيم، ويقسمون لأربع مجموعات : عائلات وأطفال ليس معهم مصاحب، ورجال عزاب، ونساء عازبات. وبمجرد تسجيلهم في أحد أقسام المخيم، كان لهم الحق في بعض المزايا، كالتجول خارجه، ويذكر التقرير أن اللاجئين في المخيمات كانوا يتمتعون ببعض المميزات، منها التجول خارج المخيم والقيام برحلات للمدن، بعضها تجاوزت مسافة الطريق إليها العديد من الأميال، كما كانوا يدخلون المحلات ويشترون الإمدادات الأساسية ويشاهدون الأفلام في السينمات المحلية، أو ببساطة ينعمون بالقليل من الترفيه غير الموجود في حياة المخيم .‏‏

كان الطعام جزءا أساسياً من الحياة اليومية في المخيمات وفقا للتقرير، فقد كان اللاجئون يحصلون على نصف حصص مؤنة الجيش يومياً، واهتم المسؤولون عن المخيمات بالأطعمة المقدمة بحيث تتناسب مع العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية الخاصة بكل مجموعة عرقية في المخيم.‏‏

أما بعض اللاجئين الذين يتمتعون بأوضاع مالية أفضل، فقد تمكنوا من شراء البقول والزيتون والزيت والفاكهة والشاي والقهوة من المقصف داخل المخيم، أو حتى من محلات المدينة أثناء رحلاتهم إليها، حيث كانوا يشترون الصابون وشفرات الحلاقة والأقلام الرصاص والأوراق والطوابع البريدية وغيرها، وكانت المخيمات غير المكتظة تحاول إدارتها توفير بعض المساحات التي تتيح للاجئين فرصة إعداد طعامهم بأنفسهم وفي مخيمات حلب خصص المخيم مكاناً للنساء لتقوم بصناعة المعكرونة من الطحين الذي يمدهم به المخيم.‏‏

وبحسب ما ذكره التقرير هناك بعض المخيمات التي فرضت العمل على اللاجئين القادرين وأخرى لم تطلب من اللاجئين العمل، واكتفت الأخيرة بتشجيعهم على العمل وربما فرصة ربح الأموال.‏‏

وفي مخيمات حلب للاجئين الأوروبيين تم تشجيع اللاجئين في المخيم على العمل في الطبخ أو اسكافيين أو في التنظيف، لكن لم يجبروا على العمل مطلقا، لم يكن العمل إجباريا أيضا في مخيم نصيرات في فلسطين وذلك بحسب التقرير الصادر عن الموقع الأميركي، لكن هذا لا ينفي محاولة المسؤولين في المخيمات خلق فر ص للاجئين بالاستفادة من مهاراتهم في النجارة والطلاء وصناعة الأحذية وغزل الصوف، فيتسنى لهم شغل وقتهم، كما يتيح لهم الحصول على مقابل مادي من زملائهم اللاجئين القادرين على الدفع مقابل تلك الخدمات.‏‏

بينما في مخيم عيون موسى، قام اللاجئون قويو البنية الجسدية بالعمل في العديد من الوظائف، عمل أغلبهم بائعين في محلات أو عمال نظافة أو في الخياطة، أو البناء أو النجارة أو السباكة. بينما المؤهلون على مستوى أعلى كانوا يعينون مدراء في مدارس أو رؤساء للعمال. في حين أن النساء كانوا يعملون أعمالًا منزلية إضافية مثل الحياكة والغسيل وتجهيز الطعام، بالإضافة إلى أي عمل آخر كنَّ تعملنه.‏‏

التدريب والتعليم‏‏

ويذكر التقرير أن أغلب المخيمات وفرت فرصا متعددة للتدريب المهني أو التعليم على سبيل المثال في مخيمات عيون موسى والشط في مصر وكان يعاني طاقم المستشفى من نقص العمالة، فتقدم اللاجئون اليوغوسلافيون واليونان للحصول على برامج تدريب تمريض مثلهم مثل المواطنين المحليين.‏‏

وفي مقال بجريدة التمريض الأمريكية، وكما ورد في العديد من التقارير التي أصدرتها خدمة الهجرة الدولية، ذكرت أحد أبرز الممرضات الممارسات وتدعى «مارجريت إرنستين» أن الطلاب في البرامج التدريبية كانوا يتلقون تدريبا عمليا للتمريض والتشريح والفيسيولوجيا والإسعافات الأولية والقبالة والتوليد وطب الأطفال، كما تعلموا القوانين الخاصة بالمهنة نظرا لأن العديد ممن في الملاجئ لم يتلقوا أي تعليم مدرسي رسمي يتخطى المدارس الصيفية، وتقول «مارجريت» إن مناهج التمريض كانت تدرس بمصطلحات أبسط وأعلت المناهج في البرامج من أهمية التدريب العملي على النظري كدراسة النظريات والمصطلحات.‏‏

الأطفال اللاجئون‏‏

اتفق المسؤولون في برنامج الإغاثة واللاجئين أن وجود روتين في حياة الأطفال هو الوضع الأفضل لهم، على أن يكون التعليم جزءًا حيويا من هذا الروتين، ويرصد التقرير إحدى المشكلات التي واجهت المخيمات في التعليم وهي نقص أعداد المدرسين في الفصول الدراسية في المخيمات في الشرق الأوسط، ما نتج عنه تكدس الطلاب في الفصول، إلا أنه لم تكن كل المخيمات على هذا الحال، فبعضها لم تكن فصوله مكتظة، فكانت تجهيزات بعض الروضات على مستوى عال أدى ببعض المسؤولين بوصفها أنها «يمكن مقارنتها بالروضات الموجودة في أمريكا».‏‏

الترفيه‏‏

يذكر التقرير أخيراً حال اللاجئين بعيدا عن العمل والتعليم والتدريب، أي في أوقات الترفيه، ففي أوقات الفراغ اندمج اللاجئون في العديد من الأنشطة الترفيهية، لعب الرجال كرة اليد وكرة القدم، وبعض المخيمات كان بها ملاعب وأرجوحات الأطفال و ألواح الانزلاق والمرجوحة الثنائية لترفيه الأطفال بالإضافة لكونها ساحات للرقص كما أعدوا عروضا لتقدم في المناسبات لسكان المخيم.‏‏

ويعرض التقرير بعض المخطوطات اليدوية لأحد اجتماعات إدارة أحد المخيمات تكشف عن المشكلات التي كانت تشغل مسؤولي المخيمات، ومن بينها افتقاد سكان المخيم «للخصوصية» و»الحرية الشخصية»‏‏

ويختتم التقرير بالتذكير بالتشابه بين الأمس واليوم، فحال اللاجئين اليوم هو نفسه حال من سبقوهم من اللاجئين الأوروبيين في مخيمات الشرق الأوسط، كلاهما سعى للحصول على حياة طبيعية قدر الإمكان وحسب الوكالة الدولية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، يوجد حوالي 500000 لاجئ سوري مسجل في مخيمات اللاجئين اليوم.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية