تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ركام الأكاذيب يزكم أنوف الأميركيين

دراسات سياسية
الاحد 20/11/2005م
د.حيدر حيدر

في قاعة أضواؤها خافتة, وبغياب الجمهور والصحفيين,

وأيضا دون كاميرات وهواتف محمولة عقد مجلس الشيوخ الأميركي جلسة استثنائية أول الشهر الحالي بناء على طلب السيناتور هاري ريد زعيم الديمقراطيين لمناقشة قضية تلاعب إدارة الرئيس جورج بوش بمعلومات المخابرات منذ ما قبل أحداث الحادي عشر من أيلول لعام 2001 لإقناع الأميركيين بضرورة شن الحرب, ثم حاولت سحق من عارض أفعالها.‏

لقد فشلت الإدارة الأميركية الحالية في تطويع الأميركيين, صحيح أنها نجحت الى حد كبير في ترويعهم وتضليلهم لكن ملفات الكذب بدأت تتهاوى وانهيار الثقة بالرئيس بوش يتعاظم, واستطلاعات الرأي الأخيرة تشير بوضوح الى ذلك, فقد تراجعت نسبة تأييده الى ما دون 35% أما فضيحة كشف اسم عميلة الاستخبارات الأميركية من قبل لويس ليبي مدير مكتب ريتشارد تشيني نائب الرئيس الأميركي, فأدت الى تحرك الديمقراطيين بشكل واسع في مجلس الشيوخ والنواب وخارجهما, فقد ضلل ليبي العدالة واستخدم الصحفيين لكشف شخصية العميلة, انتقاما من زوجها السفير السابق جوزيف ويلسون الذي قال في تقرير رسمي قبل غزو العراق: إن صدام حسين لم يحاول شراء مواد نووية من النيجر.‏

أضف الى ذلك فضيحة السجون السرية في أوروبا الشرقية, ناهيك عن فضائح سجن أبو غريب.‏

يقول الرئىس الأسبق جيمي كارتر عن أميركا في ظل المحافظين الجدد: إن بلادنا فقدت آخر خيط يصلها بالمصداقية والأخلاق السياسية التي تعارفنا عليها منذ الاستقلال الى اليوم.‏

وفيما تتوالى الفضائح داخل الإدارة الأميركية وتزداد أزماتها الداخلية والخارجية, لا يمكن تبرير لأي كان ومهما بلغت به الوقاحة الدفاع عن أميركا النموذج الديمقراطي والأخلاقي.‏

إن الولايات المتحدة تعيش حاليا أزمة أخلاقية عميقة وكما نوه وزير الخارجية السابق كولن باول عندما اعترف بأن ما طرحه في مجلس الأمن في شباط 2003 حول المعلومات الموثقة عن أسلحة الدمار الشامل لدى العراق يمثل بالنسبة إليه العار الأكبر في حياته كلها..‏

فهل سنقرأ يوما ما في مذكرات باول إقراره بأنه تعرض للخديعة من قبل المحافظين الجدد, مثلما وصفتهم وزيرة الخارجية السُبقى مادلين اولبرايت بأن عصابة أو مجموعة قليلة العدد خطفت عملية صنع القرار السياسي في واشنطن وأشاعت فوضى دبلوماسية وسياسية.‏

الرئىس بوش لم يتمكن من الرد على اتهامات الديمقراطيين لإدارته بأنها تستخدم معلومات استخباراتية وتخفي أخرى لتبرير غزو العراق والاستمرار في احتلاله, رغم الخسائر الفادحة التي تتكبدها القوات الأميركية هناك فقد تجاوز عدد القتلى من الجنود الأميركيين ألفي قتيل عدا عن آلاف الآخرين قتلوا أيضا لكنهم لم يحصلوا بعد على الجنسية الأميركية مقابل مئة ألف عراقي إضافة الى حجم التمويل الهائل (ملياري دولار أسبوعيا) للقوات الأميركية البالغ تعدادها 170 ألفا وسط شعب يرفضهم.‏

وأما الفضائح الأخرى في العراق فلا تحصى ومنها استخدام اليورانيوم المنضب, وضرب الفلوجة بالأسلحة المحرمة دوليا, وفضائح النهب المنظم للنفط العراقي و..و..الخ.‏

وفي أفغانستان فإن القوات الأميركية لا تسيطر هناك إلا على العاصمة كابول.‏

يقول وزير الخزانة الأميركي السابق بول اونيل في كتابه الذي فضح فيه منهج عمل المحافظين الجديد القائم على مبدأ: تخلق الوقائع أولا..وبعدها ربما نناقش المبررات..يقول وهو الذي استقال مبكرا من إدارة بوش الابن: هؤلاء الناس قذرون ولديهم ذاكرة طويلة..لكنني الآن رجل عجوز..وليس هناك شيء يستطيعون عمله لإيذائي.‏

صحيح أن العالم يتعرض للأذى من حفنة قررت أن تبني امبراطورية على ركام من الأكاذيب ولسان حالها يقول: نحن الآن امبراطورية وحينما نعمل ونتصرف فإننا نخلق حقيقتنا الخاصة, وبينما أنتم تدرسون هذه الحقيقة فإننا سنتصرف مرة أخرى خالقين حقائق جديدة أخرى.‏

أي ان المحافظين الجدد يعتنقون مبدأ: نخلق الوقائع أولا..وبعدها ربما نناقش المبررات..رغم أن ذلك لم يحدث, إلا بعد سلسلة الفضائح الأخيرة والتي أجبرتهم على عقد جلسة سرية لمجلس الشيوخ بناء على طلب الديمقراطيين, وهكذا يتم تبرير الحروب القذرة ضد العالم بدءا من أفغانستان وأخيرا وليس آخرا في العراق لأن قائمة الدول المستهدفة بالعدوان تطول لتشمل دولا ومناطق أخرى ولسان حالهم يقول: العالم لا يهمنا طالما أن رئيسنا مكلف بمهمة سماوية لهداية البشرية الى الصراط والذي لا يكون مستقيما إلا إذا كان أميركياً, حسب معتقدات وأدبيات المحافظين الجدد الذين تسللوا الى مراكز القرار الأميركية بوسائل وأساليب ملتوية.‏

لكن إذا أضفنا الى ذلك كله المعضلات الأخرى التي تعيشها إدارة بوش من عجز يتفاقم في الموازنة الى تداعيات إعصار كاترينا الذي عرى سياسة التمييز الطبقي والعرقي التي ينتهجها اليمين المحافظ الى فشل إدارة بوش في ترويض دول مثل كوبا وفنزويلا والبرازيل والقائمة تكبر لتشمل دولا أخرى في القارة الأميركية, ناهيك عن روسيا والصين اللتين تتعاملان بحذر مع العملاق الأميركي رغم مرور أكثر من 15 عاما على تفكك الاتحاد السوفييتي وتحاولان إبقاء مسافة لتأكيد استقلاليتهما رغم التفوق المادي والعسكري الأميركي الواضح.‏

وإذا أضفنا الى ذلك إخفاق واشنطن في التعامل مع المسألة النووية بمعيار واحد فيما يخص بيونغ يانغ وطهران وإغماض العين عن الترسانة النووية الاسرائيلية, كذلك (لحس) التعهد بإقامة دولة فلسطينية والذي أعطاه بوش متعهدا بإقامة هذه الدول قبل نهاية ,2005 وهي أمور تعود أسبابها الى الأخلاقيات المراوغة للمحافظين الجدد الذين خطفوا عملية صنع القرار السياسي في واشنطن, وإذاً كل هذا صحيح, لكن الصحيح أيضا أن الأميركيين يرفعون أصواتهم عاليا ويعيدون تنظيم صفوفهم وخاصة فيما يتعلق بالحرب القذرة ضد العراق, والذي بدأت تهدد السلم الاجتماعي في الولايات المتحدة ذاتها.‏

لقد اكتشفوا أنهم دفعوا الكثير الكثير من دماء أبنائهم ومن حرياتهم الشخصية ومن أموالهم أيضا, مقابل مغامرة طائشة لن تكسبها بلادهم أبدا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية