تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أسعار السيارات..في ميزان الحقيقة و الوهم

تحقيقات
الأحد 10/7/2005م
مزن مرشد ـ معن عاقل

قبل ظهور

الإسلام في شبه الجزيرة العربية, أي في زمن أطلق عليه زمن الجاهلية, كانت الجمال وسائل نقل, وكانت في الوقت نفسه -كما يقول أحد باحثي التراث- معادلاً بضاعياً, أي أداة وسيطة للتبادل البضاعي تقوم مقام النقد.‏

ويبدو أن حكوماتنا المتعاقبة قررت البقاء وفية لذلك العصر, فحولت السيارة إلى معادل معنوي للجاه والثروة والنفوذ, في زمن الانفتاح كما في زمن الانغلاق, وهكذا جعلت فيما مضى السيارة إحدى السلع الفريدة, كلما استهلكت وتقادم عليها الزمن, ازداد سعرها, حتى ليكاد يجزم بعض القادمين إلى سورية أن شوارعها أشبه بمتحف للسيارات القديمة.‏

اليوم أيضاً تسعى حكومتنا لإبقاء صفة الفرادة, لصيقة بالسيارة, لكن هذه المرة مرفقاً بضجيج إعلامي وسيل من التصريحات عن اقتراب سعرها من أسعار الدول المجاورة, ليفاجأ المواطن بعد ذلك أن هذه السلعة أضحت فريدة مرتين, الأولى بحكم الإرث التاريخي للسياسات الحكومية, والثانية ببراءة اختراع آلية جديدة للمشابهة مع دول الجوار.‏

التخفيضات طالت عائدات الخزينة وأبقت أرباح التجار كما هي و الوكلاء يتذمرون رغم ان أرباحهم تتجاوز الـ 100% من سعر السيارة‏

التخفيضات حقيقية بالقيمة المطلقة ووهمية بالقيمة النسبية‏

المالية تنتج مفهوماً جديداً لمقاربة أو مشابهة أسعار دول الجوار‏

> هل خزائن دول الجوار أغنى من خزينتنا حتى تسهل على مواطنيها اقتناء سيارة ?!‏

> هل تجارهم أقل جشعاً من تجارنا حتى يصل الفارق بين السعرين إلى خمسة أمثال?‏

كركور : بعض السيارات تخسر وبعضها يربح بشق النفس!!!‏

عزام : أيدٍ خفية تحرك عرائس سوق السيارات‏

هل هناك متنفذون يشاركون الوكلاء الأرباح?‏

المواطن وأحلام الفتى الطائر في اقتناء سيارة‏

في عام 1983 اشترى مواطن سيارة نيسان بمبلغ 90 ألف ليرة تقريباً (حوالى عشرة آلاف دولار آنذاك) وعمل عليها كسيارة عامة حتى عام 1994 وباعها بمبلغ 900 ألف ليرة سورية فقط لا غير (أي حوالى عشرين ألف دولار آنذاك) واليوم بعد أحد عشر عاماً أخرى صار سعرها حوالى 400 ألف ليرة سورية (ما يعادل الآن 8 آلاف دولار), فهل هذا معقول منطقياً أو اقتصادياً? ومع ذلك, نستطيع أن نتفهم في سياق آليات اقتصادية سابقة ورؤى اجتماعية معينة للاقتصاد هذه الحالة, لكن كيف سيمكننا تفهم براءة الاختراع الحالية (تخفيض سعر السيارة إلى ما يقارب دول الجوار) في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية جديدة تحمل رؤى مختلفة إن لم تكن مناقضة?!‏

سألت أحد العاملين في تجارة السيارات عن معنى الاقتراب من أسعار دول الجوار أو مشابهتها, فأجابني ضاحكاً أو ربما ساخراً يعني سيارة (كيا) أصبح سعرها بعد صدور القرار 1.3 مليون ليرة مع كافة رسومها بينما سعرها في لبنان لا يتجاوز 600 ألف ليرة, ويعني أيضاً أن سيارة مرسيدس النملة أصبح سعرها عندنا 5 ملايين ليرة بينما في لبنان لا يتجاوز مليون ليرة.. أليس أطرف تشابه في العالم!!!‏

إذاً, ما انتشر وشاع حول اقتراب سعر السيارة من مثيلاتها في دول الجوار هو مجرد لصاقة إعلامية إعلانية والأصح من كل هذا دعائية, أما عن انخفاض سعرها النهائي بمقدار 40% عن السعر السائد فتلك قصة أخرى سنحاول أن يكون سردها شيقاً ما أمكن.‏

لنتصور معاً حالة نموذجية أرقامها مدورة, سيارة من المصدر سعرها 300 ألف ليرة, وأرباح الوكيل أو التاجر 200 ألف ليرة يصبح المجموع 500 ألف ليرة.‏

قبل صدور قرار التخفيض الجمركي كان يجب أن تدفع جمركاً 140% من قيمتها أي, 450 ألف ليرة وحوالى 80 ألف ليرة رسوم أخرى ويصبح سعرها النهائي في السوق:‏

500.000 + 420.000 + 80.000 = 1 مليون ليرة‏

بعد صدور قرار التخفيض صار الجمرك 40% أي 120 ألف ليرة سورية وتضاعفت المصاريف الأخرى والرسوم وصارت 160 ألف ليرة وأصبح السعر النهائي:‏

500.000 + 120.000 + 160.000 =780.000 ليرة سورية‏

أي أن نسبة انخفاض السعر لا يتجاوز في هذه الحالة المثالية المفترضة 22% أما واقعياً فسنناقش الأمثلة التالية:‏

بيعت سيارة لادا 107 قبل صدور القرار ب 499 ألف ليرة وأضيف إليها رسوم أخرى (فراغ + ترسيم) 42 ألف ليرة فصار سعرها النهائي 541 ألف ليرة وبعد صدور القرار بيعت ب 350 ألف ليرة ورسومها الأخرى 117 ألف ليرة وصار سعرها النهائي 467 ألف ليرة سورية أي انخفض سعرها 74 ألف ليرة بنسبة 12% تقريباً بينما جاء في فاكس أرسلته الجمارك لنا حول أسعار السيارات أن هذا النوع انخفض سعره من 490 ألف إلى 350 ألف أي بمقدار 140 ألف ليرة بنسبة تقارب 22%, هذا يعني أن هناك انخفاضين على سعر هذه السيارة الأول اسمي والثاني فعلي يعادل تقريباً نصف الأول وسنعود لاحقاً لمناقشة هذا الأمر.‏

في مثالنا الثاني سنتناول أو سنكشف ما طرأ على أرباح التجار من تغيير, إذ سعرت الجمارك الحد الأدنى لسيارة هيونداي السياحية طراز فيرنا ب 5477 دولاراً أي ما يعادل 247 ألف ليرة تقريباً وفق أسعار الدولار الحالية.‏

سعرها قبل صدور القرار: 247 ألفاً + (140% جمارك) 345 ألفاً + رسوم أخرى 70 ألفاً = 662 ألفاً, وكانت تباع في السوق بحوالى مليون ليرة أي أن ربح التاجر كان حوالى 340 ألف ليرة فقط لا غير.‏

سعرها بعد صدور القرار: 247 ألفاً + (40% جمارك) 98 ألفاً + رسوم مختلفة 140 ألفاً = 485 ألفاً سعرها حالياً في السوق مع رسومها وربح التاجر 790 ألفاً تقريباً, هذا يعني أن ربح التاجر = 790 - 485 =305 آلاف ليرة.‏

وبالتالي انخفض ربح التاجر بمقدار 35 ألف ليرة بنسبة 10% من ربحه قبل صدور القرار, أما السعر الإجمالي للسيارة فانخفض بنسبة 21% فقط.‏

لنلاحظ مقدار انخفاض عائدات الخزينة في هذا المثال:‏

قبل صدور القرار: 345 جماركاً + 70 رسوماً أخرى = 415 ألف ليرة‏

بعد صدور القرار: 98 جماركاً + 140 رسوماً أخرى = 238 ألف ليرة.‏

أي انخفضت عائدات الخزينة بنسبة 43% عن السابق.‏

أما إذا حسبنا نسبة انخفاض ربح التاجر بالنسبة لسعر السيارة الإجمالي نجد أنها 3.5% فقط أما خزينة الدولة فتحملت انخفاضاً في الواردات بنسبة 17.7% من إجمالي قيمة السيارة.‏

هنا يحق لنا أن نطرح الأسئلة التالية: هل من المعقول أن يكون ربح التاجر أو الوكيل أكبر من سعر تكلفة صناعة السيارة وأرباح مصنعيها, وهل يدفع هؤلاء التجار والوكلاء فعلاً الضرائب المترتبة على هذه الأرباح الخيالية?!‏

هل من المعقول أن تنخفض واردات الخزينة أكثر من 4 أضعاف انخفاض أرباح التاجر?!‏

هل من المعقول أن تتناقض التصريحات والأسعار المرسلة إلينا بالفاكس إلى هذه الدرجة مع الوقائع?!‏

لنلاحظ بعد ما سبق إلى رأي السيد عمر كركور وكيل حصري لعدد من أنواع السيارات: هذا أفضل مرسوم يخص السيارات (طبعاً لأنه أشبه بتنزيلات لمصلحة التجار) رغم الخسارة التي طالتنا (فقد انخفض ربحهم من 130% إلى 125%) لكننا نتطلع للمستقبل وستعوض بتحريك السوق وتنشيط الشراء (ألم نقل إنه أوكازيون?!) وبالتالي من يبيع أكثر, ولو بربح أقل, هو الرابح على المدى البعيد (ازدادت فترة دوران رأسمالهم من شهر إلى 15 يوماً!!) فدخل المواطن السوري متواضعاً (أليسوا هم أيضاً مواطنين سو..).‏

يصف السيد كركور: هامش ربح الوكيل ليس كبيراً كما يظن المواطن (المواطن لا يظن بل متأكد) وهناك سيارات تربح وأخرى لا تربح على الإطلاق وثالثة تربح بشق النفس (نقترح أن يغير الوكلاء مجال تجارتهم), وهامش الربح يتوقف على المصاريف الإدارية مثل (الإعلانات والموظفين والاتصالات والكهرباء), هذا كله يؤخذ بالحسبان مثل الصناعة حيث تضاف مستلزمات الصناعة إلى السلعة, (الطريف أن مصروفات السادة الوكلاء أكبر من مصروفات إنتاج السلعة ومستلزماتها في بلدها) والرسوم الباهظة ليست موجودة إلا في سورية (وماذا عن الأرباح الباهظة?!).‏

السيد منير عزام (تاجر سيارات) قال: ان سعر سيارة سامسونغ جيب هو 10 آلاف دولار في لبنان أي ما يعادل 500 ألف ليرة, اما عندنا فيصل ثمنها الان الى 2,2 مليون ليرة سورية وقبل التخفيض كانت 8,2 مليون ليرة وفصل الامر على النحو التالي: قبل التخفيض سعرها من المصدر 400ألف ليرة سورية اي (7700)دولار + مليون ومئتي الف ليرة سورية الجمارك + 300 ألف ترسيم = مليون وتسعمائة الف ليرة سورية اي ربح التاجر حوالي مليون ليرة سورية فوق سعر السيارة النهائي.‏

بعد التخفيض كما يلي :‏

400 الف سعر المنشأ + 240 الف رسم الجمارك + 700 الف رسوم مختلفة = مليون وثلاثمائة واربعون الفا اي ربح التاجر حوالي مليون ليرة ايضا .‏

فاذا اخذنا نسبة ربح التاجر بدون الرسوم ( وهذه النسبة يدفعها المشتري طبعا وليس التاجر) وحسبنا مصاريف نقل واعلان يدفعها التاجر يظل ربح التاجر يقارب ال100% ,أما اذا استثنينا من رأس المال الرسوم الجمركية التي صار التجار يدفعونها ايضا عند البيع وبناء على الطلب , فالله وحده يعلم كم ستصبح نسبة ربح التجار.‏

نود هنا لو تجيبنا الجهات المعنية (والتي لا ندري من هي): هل هناك شركاء متنفذون يقفون وراء هؤلاء الوكلاء حتى تأتي هذه القرارات لمصلحتهم إلى هذه الدرجة?!! ألم تجر وزارة المالية دراسة دقيقة لأسباب ارتفاع الأسعار وآلية المعالجة?! أم أنها كانت بحاجة إلى فاصل إعلاني منشط?.‏

نعود مرة أخرى إلى قرارات التخفيض الجمركي:نلاحظ أنها صنفت السيارة في فئتين: الأولى يمكن نعتها بالشعبية وتهم شريحة كبيرة من المواطنين ورأينا أنها انخفضت 22% تقريباً, ومازالت بعيدة عن مثيلاتها في دول الجوار وعن المنطق أيضاً, ومازال ربح التاجر على حاله وهو على أي حال لا يتناسب مع سعر السيارة ولا مع جماركها ورسومها.‏

الثانية هي السيارات الفاخرة ويقال: إن أسعارها انخفضت بشكل كبير لكن في حقيقة الأمر لم تختلف كثيراً عن الأولى, فمثلاً انخفاض سيارة من 10 ملايين إلى 8 ملايين قد يبدو كبيراً, لكنه في حقيقة الأمر ضئيل ولا يتجاوز 20% من سعر السيارة, ومع ذلك علق أحد العاملين في سوق السيارات قائلاً: إن من يستطيع دفع 10 ملايين ليرة ثمناً لسيارة لن يهمه انخفاضها إلى 8 ملايين ليرة لأنه في الحالتين سيقتني سيارة فاخرة.‏

هذا يعني أن السيارة بالنسبة للمواطن السوري بقيت في إطار النهج الاقتصادي والاجتماعي السابق, وسيلة نفوذ وتمايز اجتماعي واقتصادي, ولم تصبح بعد إحدى الحاجات الضرورية العصرية.‏

يقول المهندس عماد توتنجي رئيس لجنة السيارات في المديرية العامة للجمارك: انخفضت أسعار السيارات بشكل ملحوظ ويعتمد وصولها إلى المستهلك بسعرها الحقيقي دون زيادات كبيرة بعد الجمارك على ذمة التجار ورضاهم بالربح المعقول, فالتاجر يربح أحياناً أكثر من 50% وأحياناً 30% ولا يوجد من يحدد للتاجر النسبة التي يجب ربحها لكن موضوع اللصاقة على كل سيارة يمكن أن يوضح للمواطن حقيقة السعر ويصبح رقيباً على تلاعب التجار.‏

هنا يخطر ببالي السؤال التالي: هل يجهل رئيس لجنة السيارات بالفعل حقيقة أرباح التجار وتجاوزها 100%, أم أنه يتستر على ذلك? أياً يكن الجواب, فإنه في الحالتين مصيبة, ولنلاحظ أنه يعترف بضرورة ضبط التاجر عن طريق المواطن مؤكداً أن هناك تلاعباً, وهو يعني أنه يتستر على أرباح التجار الحقيقية.‏

المشكلة ليست هنا فقط, وإنما في استمرار اعتبار جمارك السيارات مصدراً من مصادر واردات الخزينة الرئيسية ووسيلة استثمارية بحتة, في حين أن السيارة صارت اليوم حاجة ضرورية على المستوى الشخصي والاجتماعي والاقتصادي.‏

لنتصور مثلاً شخصاً يؤسس منشأة صناعية صغيرة سقفها 3 ملايين ليرة, هل من المعقول أن يدفع ما يقارب ثلث رأسماله لشراء سيارة جيدة? هل من المعقول ألا يحتاج الطبيب والصحفي والمحامي والتاجر وحتى صاحب الورشة الصغيرة إلى سيارة في عمله? فإذا كان السيد كركور أنصف المواطن بوصف دخله بالمتواضع, فلماذا لا تنصف الجمارك هؤلاء عن طريق التدخل في سياسة التسعير وتحديد نسب أرباح التجار? أم أن هناك من يقف وراء هذا كله?!‏

المأساة الحقيقية أن شوارعنا امتلأت بأنواع سيارات أقل ما يقال فيها إنها رديئة وبأسعارها ذاتها يمكن أن نضع صورة أخرى لها وأن نعتبر ذلك تشجيعاً للاستثمار, وإذا كانت الدولة مصرة على سياساتها, فلماذا لا تمنح المستثمرين وبعض النقابات والاتحادات إعفاءات جمركية ورخص استيراد بحيث تؤمن لهم حاجاتهم الضرورية من هذه السلعة?!‏

لكن الدولة لجأت إلى وصفتها المجربة مراراً والفاشلة تكراراً المتمثلة بتشكيل لجان لتضيف إلى التكاليف السابقة تكاليف جديدة غير منظورة, يقول رئىس دائرة المركبات ومعاون مدير النقل الطرقي في وزارة النقل د.رياض خليفة: إنهم شكلوا لجنة رباعية لتحديد مواصفة سورية للتقيد بها عند الاستيراد ويمنع استيراد أي سيارة سياحية لا تتوفر فيها شروط المواصفات, فهل سيتقيد تجار يربحون على هذا النحو بمثل هذه المواصفات?! كل ما نخشاه أن تتشدد الجمارك في تلك السيارات التي تعد رخيصة نسبياً وتعتبرها خارج المواصفات وبالتالي يعاد رفع أسعارها, لكن لمصلحة التجار كلياً هذه المرة.‏

عندما أنظر إلى السيارات العربية التي تدخل الأراضي السورية, مثلاً السيارات الأردنية, أتساءل هل الأردن أغنى في موارده من سورية? لماذا لا تعتبر الأردن أو لبنان جمرك السيارة من واردات الخزينة ولماذا لا تعتبرها سلعة رفاهية?! وهل أرباح التجار هناك مثل أرباح تجارنا?!‏

وإذا كانت الرسوم الجمركية وباقي رسوم السيارات تذهب إلى توسيع الشبكات الطرقية وتحسينها كما يقول البعض, فهل توسعت هذه الشبكات وتحسنت بما يتناسب مع عائدية الرسوم?‏

تصوروا أن سيارة أجرة عامة ثمنها 500 ألف ليرة تدفع ضريبة سنوية 50 ألف ليرة سورية, أي أن صاحبها يعود ويدفع ثمنها للدولة خلال عشر سنوات, فهل يدفع تجار السيارات من أرباحهم 10% من نسبة ما تدفعه هذه السيارة?!‏

اعتقد أن الجهات أعادت صياغة معادلة السيارة معكوسة.. سيارة الوهم بدل وهم السيارة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية