تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طموح منظمة شنغهاي...هل يضع الهيمنة الأميركية في مهب الريح?!

دراسا ت
الأحد 10/7/2005م
د. سعيد مسلم

وصف المراقبون والمحللون السياسيون في العاصمة الروسية موسكو, اجتماع قمة دول منظمة شنغهاي في استانة عاصمة كازاخستان اوائل الشهر الحالي (ثورة حقيقية) في مجال العلاقات الدولية والتعاون السياسي والعسكري والاقتصادي بين بلدان المنظمة.

الاهمية السياسية لهذا اللقاء الذي اصبح دورياً, بعد اكتمال صورة وهوية المنظمة, لا يأتي من كونه يرسم بل يكرس ملامح قطب آسيوي -أوروبي, أو اوراسي ويتعدى ذلك إلى أهمية المنطقة التي تتشكل منها بلدان المنظمة.‏

فالعامل الجيوسياسي الذي تتمتع به الدول الأربع المطلة على بحر قزوين, إضافة إلى الوزن الاقتصادي والسياسي والعسكري لكل من روسيا والصين, والتوجهات الحالية لكل من (إيران -الهند -باكستان) في الانضمام إلى هذه المنظمة, تجعل من المقاربة للواقع القول إن قطباً عالمياً ناشئاً سيفرض قولاً وسلوكاً في طبعة العلاقات الدولية للمرحلة القادمة,آخذين بالاعتبار المبادىء السياسية التي كرست هذا التجمع وهي: رفض الهيمنة الاحادية لقطب عالمي (إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية).‏

وإذا ما رجعنا إلى الأهداف البعيدة لكل من دول المنظمة, سواء الصين أو روسيا ودور هاتين القوتين في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية بعد سنوات, فإن رهان التحالف الآسيوي المشار إليه سيكون على حجز مكان رئيسي في إدارة مستقبل الطاقة عالمياً, ومنع الشركات الاحتكارية أو كارتلات النفط الدولية الأميركية أصلاً من التحكم بهذا المستقبل, وتمكين البلدان المنتجة والمصدرة للطاقة من إدارة قرارها وتوجيه رغباتها التنموية.‏

ومع الأخذ بمبدأ رفض الاحادية القطبية سياسياً, ورفض التحكم بالعالم اقتصادياً من قبل طرف واحد وإضافة إلى ذاك وغيره فإن النقلة الصاعقة التي نتجت عن قمة استانة هي اتخاذ بلدان المنظمة قراراً سياسياً جريئاً, بل يكاد يكون الاقوى في المرحلة الراهنة وهو:‏

مطالبة الولايات المتحدة الأميركية بتجديد مدة بقاء القواعد العسكرية الأميركية في أهم بلدان المنظمة (قيرغيزستان -اوزبكستان -طاجكستان) والدعوة إلى انهاء استخدام المنشآت البنيوية التحتية في تلك البلدان تحت مسمى (الحرب على الارهاب).‏

حيث من المعلوم أن تلك القواعد وجدت منذ ايلول 2001 وبعد قرار الإدارة الأميركية شن الحرب ضد افغانستان وملاحقة تنظيم القاعدة المتهم الرئيسي بأحداث نيويورك.‏

وترى بلدان المنظمة (شنغهاي) أن استخدام دول آسيا الوسطى كذريعة في هذه الحرب لم يعد له مبرر حيث انتهت تلك الحرب ضد افغانستان وانتخبت إدارة محلية ديمقراطية (حسب الزعم الأميركي).‏

أما الشأن الآخر الذي اعطى قمة استانة أهمية خاصة فهو قبول انضمام إيران -الباكستان -الهند, كأعضاء مراقبين في المنظمة تمهيداً لقبول عضويتهم التامة وتشكيل أكبر حلف أو قطب سياسي -اقتصادي -عسكري -عالمياً, باكتمال مشهده سوف تراجع الإدارة الأميركية الكثير من حساباتها ومشاريعها الخاطئة والواهمة.‏

وإذا ما ربطنا بين التعاون الاقتصادي والعسكري بين كل من روسيا وإيران والهند والصين من جهة وبين إيران والهند وباكستان من جهة ثانية, خاصة في مجال استكشاف النفط والغاز ونقل الغاز إلى الهند عن طريق باكستان خلال السنوات الخمس القادمة والعوائد الضخمة التي ستنجم عن هذا المشروع والمقدرة سنوياً ب¯ 5مليارات دولار.‏

إضافة إلى التعاون النووي بين تلك البلدان, فإن تجمعاً نووياً آسيوياً سيجعل من المستحيل المضي بمشروع التفرد الأميركي في قيادة العالم واحتكار ثروات بلدانه.‏

ومع الأخذ بالتوجهات الأميركية الهادفة إلى التدخل بشؤون بلدان تلك المنطقة من خلال الضغوط الاعلامية والسياسية بحجة الديمقراطية ونشر حقوق الإنسان والدفاع عنها, ودعم الفوضى الخلاقة أو غير الخلاقة في منطقة آسيا الوسطى بهدف التحكم بثرواتها,‏

فإن الاعلان المهم الذي صدر عقب اجتماعات استانة صعب المهمة الأميركية, وجعل بلدان تلك المنطقة تفكر ملياً بمصالحها مع بعضها البعض ومع جيرانها المقربين, مع القناعة بأن الاهداف الأميركية والبرامج الواهمة لن تخدم سوى جشع وغطرسة صقورالدم والنفط والحروب في الإدارة الأميركية ولن تجلب إلا الضرر والدمار والتراجع للبلدان التي تدعي تطورها وتحريرها.‏

أهمية قمة شنغهاي لن تقف عند تلك الاشارات بل ستشكل الاتفاقات الاقتصادية خاصة في مجال النفط والكهرباء والغاز والنقل بين شبكات الدول المنضوية تحت إطار المنظمة السياسية, دافعاً كبيراً للتعاون وقطع الطريق على الاستغلال الغربي لثروات بلدانها.‏

واجتماع رؤساء الوزراء لبلدان المنظمة المقبل في موسكو في شهر تشرين الثاني القادم سوف ينجم عنه وضع التفاصيل الكاملة لجداول التعاون الاقتصادي وحجومها ومجالاتها.. وهكذا تبدو احلام الامبراطورية الأميركية العالمية في مهب الريح.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية