تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سرطان الاحتلال

قضايا الثورة
الأحد 10/7/2005م
علي قاسم

سرطان الاحتلال هو التوصيف الأكثر دقة الذي أطلقه الشهيد هايل أبو زيد على الداء الذي عانى منه في حياته,

وبقي كذلك في مماته حين رحل, وما زال الاحتلال جاثما على أرضه, ويعاني منه أهله ووطنه.‏

قد يكون من الصعب على المرء أن يشخص الداء بهذا الوضوح, وبهذه الدقة, كما فعل الشهيد أبو زيد, لكن الأصعب أن يظل ذلك الداء شاهداً على الاختلال الذي تواجهه البشرية وتبدو عاجزة عن وضع حد له, وهو يستشري في جسدها كداء السرطان الذي أودى بحياة الشهيد بعد سنوات الإهمال والتعذيب في السجون الإسرائيلية.‏

وإذا كان الشهيد الأقدر على تجسيد الوضوح في الهدف, والأقدر على تقديم التضحية, فإنه كان الأكثر تعبيراً عن الواقع المؤلم الذي يواجهه مئات الآلاف من العرب, وهو داء الاحتلال الذي يعاني منه العرب في فلسطين والجولان وما تبقى من جنوب لبنان, وأدى إلى تلك النتائج المروعة التي كان أبو زيد أحد الأمثلة الصارخة على المعاناة الحقيقية التي يعيشها العرب في ظل الاحتلال.‏

وتتوازى هذه مع آلاف الحالات التي عاشها العرب في ظل الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من نصف قرن, وتشهد على وحشية المحتل, الذي كان على الدوام يضرب عرض الحائط بالمواثيق والقرارات الدولية, وبكل الاتفاقات التي تضمن الحد الأدنى من الحقوق للشعوب الواقعة تحت الاحتلال.‏

وثمة ما يدعو إلى النظر في تجليات الموقف على ضوء ما أفرزته كل تلك السنوات من مأساة حقيقية شهدها كل بيت عربي, وعانت منها كل أسرة عربية, وكانت تداعياتها ماثلة في كل اتجاه, وخصوصاً في ظل رفض الإسرائيليين حتى اللحظة استقبال اللجنة الدولية المكلفة بالتحقيق في جرائم الاحتلال.‏

ومن سخرية القدر أن يتزامن استشهاد أبو زيد بسبب معاناته في سجون الاحتلال مع الجولة السنوية التي تقوم بها لجنة التحقيق في دول المنطقة التي تعاني من الاحتلال الإسرائيلي, وتزداد وضوحاً مع تجديد الرفض الإسرائىلي باستقبال اللجنة الذي ظل قائماً منذ عام 1968 حين قررت المنظمة الدولية تشكيل هذه اللجنة.‏

ولا يخفى على أحد أن معاناة أبو زيد من دائه الذي شاركه فيه الملايين من العرب طوال هذه العقود, مستمرة حتى اللحظة وهي في تورم مستمر وتستشري في الجسد العربي على أكثر من مستوى, وتنذر بالتفاقم مع استمرار الرفض الإسرائىلي الالتزام بالمواثيق والاتفاقات الدولية, والحيلولة دون أن تتمكن لجنة التحقيق الدولية من تأدية مهامها.‏

إن معاناة الملايين من العرب من سرطان الاحتلال, لا تتوقف عند حدود الموت الذي يودي بحياة الآلاف سنوياً, ولا يقتصر على نماذج محددة, بل هي حالة عامة توجه حياتهم يومياً, لأن هذا الداء لا يمكن التعاطي معه بالمسكنات, بل يحتاج إلى استئصال من جذوره وإزالة آثاره وكل ما ترتب عليه بالكامل.‏

وهي الحقيقة التي يجب أن يعرفها القاصي والداني, ويجب أن تشكل الحافز الحقيقي للمجتمع الدولي من أجل وضع حد لهذا الداء المستشري, ولا سيما أن العواقب الوخيمة له لا تقتصر على المنطقة, بل تشمل العالم كله, وستكون تداعياتها منتشرة في كل مكان.‏

لقد جاء استشهاد أبو زيد, ناقوس خطر ونداء تحذير شديد الوضوح ترددت اصداؤهما في كل مكان, وهو بداية للتأكيد بأن الداء المستشري يهدد الملايين, ولم ينته باستشهاده كما أنه لن يتوقف عن تهديد أرواح الملايين الذين يرفضون الاحتلال, كما رفضه أبو زيد ويدركون, كما أدرك, أن الخلاص منه لا يمكن أن يتم إلا بوضع حد نهائي له.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية