|
شؤون سياسية ينطلق الزميل ديب علي حسن في كتابه (الولايات المتحدة الأميركية: من الخيمة إلى الامبراطورية) من الكيفية التي وصلت إليها الولايات المتحدة, حيث إننا اعتدنا في الماضي أن نرى في الولايات المتحدة الأميركية حلاً للمشكلات في حين أنها أضحت اليوم مشكلة العالم, إذ باتت تشكل عامل فوضى على المستوى الدولي عن طريق إثارة النزاعات والشكوك حيثما تستطيع وخاضت أكثر من خمس عشر ةحرباً في بقاع مختلفة من العالم وهي حروب لم تفض إلا إلى مزيد من الصراع فأحرجت حلفاءها أكثر من مرة, الأمر الذي دفع أكثرية حلفائها الأوروبيين إلى اتخاذ مواقف مستقلة عنها بل ومناهضة لحروبها وخصوصاً حربها الأخيرة ضد العراق. لكن الجديد في مقاربة صاحب كتاب )من الخيمة إلى الامبراطورية( هو استناده إلى معطيات منهج اجتماعي يخضع فيه البحث للمعطيات الديموغرافية والايديولوجية و الاقتصادية الداخلية للبلد المدروس, فيجري وفقه ربطاً لمفاعيل السياسة الدولية والعلاقات الدولية محاولاً البرهنة على أنها امبراطورية في طور التفكك والأفول , وبالتالي فهي امبراطورية في طريقها إلى الزوال والنهاية ولا يفعل دعاتها من المحافظين الجدد حالياً سوى السعي إلى إيقافها على قدميها من جديد. يفترض مؤلف الكتاب أيضاً أن الولايات المتحدة تعيش الآن مرحلة الما بعد, وهي المرحلة التي تعاني فيها سياسة واشنطن التدهور والانحلال ولإثبات هذه الفرضية يتناول المؤلف في فصول الكتاب أسطورة الإرهاب العالمي والتهديد الديمقراطي الكبير والبعد الامبريالي وتراجع, العمومية الأميركية ومواجهة القوي أمام الضعيف? لقد مر العالم في حلم استفاق منه على خيبات أمل متكررة, فبعد أن انتظر العالم ظهور امبراطورية حقيقية خيرة مقابل اعتراف جميع الدول بشرعية الولايات المتحدة في الحكم والوجود وأدان العالم الإرهاب بصورة مطلقة وأبدى استعداده التعاون للقضاء عليه ومحاربته معها ظهر شغف أميركي بممارسة أحادية كانت بوادرها في النصف الثاني من التسعينيات عندما رفضت واشنطن في كانون أول 1997 معاهدة أوتاوا ومعاهدة محكمة الجزاء الدولية في تموز 1998 ليخلص المؤلف إلى أنه في غضون بضعة أشهر فقط تغيرت صورة أميركا من أمة مجروحة تثير التعاطف والشفقة, مفرطة في الأنانية والعدوانية ينظر إليها العالم بكثير من الريبة والخوف. إن وجهة النظر هذه لم تمض على عواهنها بوصفها أحكاماً عامة, إنما عززها المؤلف بنماذج نقدية لعدد من مفكري الامبراطورية الأميركيين أمثال: صموئيل هنتنغتون, بريجنسكي, كيسنجر, فوكوياما وغيرهم.. ومن منطق السياسة الأميركي الذي تشتغل مفرداته في أرض الواقع يستنتج المؤلف ثلاثة مؤشرات تجعل من الاستراتيجية الأميركية عثرة غير متوقعة في طريق السلام العالمي, هذه المؤشرات هي: إصرار الولايات المتحدة على ألا يتم التوصل مطلقاً إلى حل نهائي لأي مشكلة على الساحة الدولية من أجل تبرير عملها العسكري والتركيز على الدول الصغيرة في الصراع مثل العراق ,كوريا الشمالية, إيران وسورية, ومن ثم الإصرار على تطوير أسلحة جديدة تضع الولايات المتحدة على مسافة متقدمة جداً بالنسبة إلى الآخرين, ويختم المؤلف كتابه بالقول: هنالك شيء يجب ألا ننساه وهو أن القوى الحقيقية هي سكانية وتربوية وتعليمية وأن السلطة الحقيقية هي اقتصادية ولن يفيد أن ننساق وراء سراب تنافس عسكري مع الولايات المتحدة , علينا أن نترك أميركا الحالية تستنفد ما بقي لها من طاقة في محاربة الإرهاب, تلك الحرب التي تسعى من ورائها إلى الاحتفاظ بهيمنتها التي لم تعد موجودة وإذا أصرت على أن تثبت قوتها الهائلة فإنها لن تفلح في أكثر من أن تكشف للعالم عجزها. |
|