تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الكونغو الديمقراطية.. جذور الأزمة

شؤون سياسية
الأثنين 10/11/2008
فؤاد الوادي

لايمكن فهم الصراع الحاصل في الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) هذه الأيام والذي يعد امتداداً طبيعياً لسلسلة من الصراعات التي سيطرت على هذا البلد منذ التسعينيات

والتي أدت إلى مقتل آلاف الأبرياء دون الرجوع إلى جذوره التاريخية التي أطلقت شرارته الأولى والتي حولته إلى كرة عظيمة من النيران تكاد تلتهم الجميع وتشعل إقليم البحيرات العظمى الإفريقية بأكمله, وكما عودتنا أميركا و(إسرائيل) دائماً على الحضور في قلب الصراعات, ليس لحلها وإنما لتغذيتها وإثارتها خدمة لأهدافهما الاستعمارية ومشاريعهما القارية في السيطرة على موارد ومقدرات الدول والشعوب, وخاصة إذا علمنا أن الكونغوالديمقراطية تملك مخزوناً هائلاً من الثروات الطبيعية يؤهلها لأن تكون من أغنى دول العالم, وهو ما جلب عليها لعنة الاستعمار منذ القرن الرابع عشر, وبعد تخلصها من الاستعمار البلجيكي في أوائل الستينيات وقعت في الصراعات الداخلية والإقليمية والحروب الأهلية التي انتقلت إليها عبرجيرانها رواندا و بوروندي.‏

تعود جذور هذه الأزمة المتجددة في الكونغو إلى الصراع الإثني والعرقي التاريخي بين قبائل الهوتو التي تشكل الأغلبية وقبائل التوتسي الأقلية اللتين تقطنان الأرض الرواندية والذي تفجر بينهما مرات عديدة حاصداً آلاف الضحايا, إلا أن الصراع الأشرس بينهماكان في العام 1994 حيث أدى إلى إبادة نحو مليون قتيل من الجانبين في رواندا, وإلى تمكن قوات التوتسي بقيادة زعيمها في ذلك الحين والرئيس الرواندي حالياً بول كاغامي من هزيمة قوات الهوتو, ودحرها إلى شرقي الكونغو الديمقراطية وبقائها فيهاحتى الآن وبالتالي انتقال الصراع بشكل دراماتيكي إلى الكونغو التي كانت محكومة فيه بشكل طبيعي بسبب الجوار والحدود المشتركة وبسبب هوية الكونغوليين من أصل رواندي سواء كانوا من التوتسي أو الهوتو الذين هربوا من الحروب العرقية بين القبيلتين في وقت سابق, حيث شهدت الفترة من 1961-1959 هجرة الآلاف من التوتسي إلى الكونغو بسبب جرائم الإبادة التي ارتكبتها الهوتو بحقهم في ذلك العام حيث وجدوا كل ترحيب من جانب الحكومة الكونغولية. ومنحهم الرئيس الراحل موبوتو في عام 1972 الجنسية الكونغولية ما أثار غضب وكراهية الجماعات الكونغولية الأخرى, ما دفع موبوتو في عام 1981 إلى إصدار قانون جديد يحدد المواطنة على أساس الانتماء إلى إحدى الجماعات الإثنية التي كانت موجودة داخل حدود الكونغو عام 1885‏

بالمقابل شهد العام 1994 موجة نزوح جماعي للهوتو إلى كيفو الكونغولية بسبب المذابح الجماعية التي نفذتها فيهم التوتسي, هذه الهجرات الجماعية من كلا الطرفين نقلت الصراع بشكل طبيعي كما أسلفنا إلى الكونغو.‏

وبعد أن سيطرت قبائل التوتسي على رواندا قامت بغزومنطقة شرق الكونغو لمطاردة قبائل الهوتو, ما أسفر عن سقوط نظام الرئيس الكونغولي السابق موبوتو سبسي سبكو واندلاع حرب شاركت فيها ستة جيوش إفريقية في الفترة مابين 1998 و2003 أسفرت عن مقتل الملايين, وتتهم رواندا جارتها الكونغو الديمقراطية بدعم واستخدام متمردي الهوتو الذين شارك بعضهم في ارتكاب إبادة جماعية بحق التوتسي, بينما تتهم الكونغو النظام الرواندي بدعم الجنرال نكوندا.‏

ويرجع بعض الباحثين تاريخ الصراع بين القبيلتين إلى القرن الرابع عشر الميلادي عندماغزت التوتسي رواندا وبوروندي وتبنت نظام حكم استبدادياً عنصرياًيقوم على اضطهاد الهوتو, ويرى بعض الدارسين أن نمط الحكم الذي ساد في هذه المنطقة كان أقرب إلى نظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا خلال عهد التمييز العنصري (الأبارتيد) إذا وضعنا التوتسي مكان البيض كأقلية عنصرية حاكمة والهوتو مكان السود كأغلبية مضطهدة.‏

ولايمكن وضع هذه الحروب التي اجتاحت إقليم البحيرات العظمى في سياقها الصحيح دون الإشارة إلى تلك الأيدي الخفية التي تغذي النزاعات وتوقظ الفتن وخاصة الدور الأميركي والإسرائيلي في تلك المنطقة والذي يتضح من خلال الاستراتيجية الصهيو أميركية تجاه القارة الإفريقية التي ترتكز على خلق ودعم بعض القادة الأفارقة الجدد الذين يعملون بشكل أو بآخر على تحقيق المصالح الأميركية كما الجنرال بول كاغامي الرجل القوي في رواندا منذ عام 1994 الذي تلقى تدريباته العسكرية في كلية الجيش والأركان بمدينة ليفنورث بولاية كنساس الأميركية, والتي تسعى لتحقيق مشروع القرن الإفريقي الكبير الذي يضم إلى جانب دول القرن التقليدية أوغندا والكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي وقد يضم إليها جنوب السودان إذا نجحت أميركا و(إسرائيل) بفصله عن الوطن الأم, ويرمي هذا المشروع إلى إنشاء بنية أساسية لمصلحة شركات التعدين والنفط الأميركية بالدرجة الأولى وهو ما يؤكد من جديد الأهداف الأميركية الحقيقية التي تبتغيها من وراء توسعها المفرط في دول عديدة في العالم واحتلال العراق خير دليل على ذلك.‏

كما يلاحظ أن التنافس الغربي والأميركي في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة يدور حول ضمان الوصول إلى مناطق التعدين والثروة الطبيعية, ويدل على ذلك من التجارة غير المشروعة في الماس والذهب وتهريب السلاح والتي يتورط فيها رجال أعمال وشركات أوروبية وأميركية وإسرائيلية, ويبدو واضحاً أن المصالح الغربية في المنطقة تستفيد من استمرار الصراعات والحروب المسلحة لضمان تدفقات عوائد التجارة غير المشروعة في الماس والسلاح, وتجدر الإشارة كذلك إلى قضية المياه, فالوجود الأجنبي والإسرائيلي تحديداً في هذه المنطقة يسعى إلى التأثير في الخزان المائي واعتبار قضية المياه ورقة ضغط يمكن إثارتها في إطار الترويج لمقولة حروب المياه في المنطقة, وهنا نندفع بسؤال ملح.. أين العرب من هذا كله..? ألا تمس هذه السياسات الصهيو أميركية أمنهم القومي والمائي.‏

إن مستقبل الصراع في الكونغو الديمقراطية التي نتمنى ألا يستمر طويلاً, لاشك أنه يحدد بدرجة كبيرة شكل التوازن الإقليمي في منطقة البحيرات العظمى على وجه الخصوص والقارة الإفريقية على وجه العموم, ونحن على ثقة كبيرة أن قمة الرئيسين الكونغولي جوزيف كابيلا والرواندي بول كاغامي قريباً والتي سوف يشارك فيها زعماء أفارقة آخرون وممثلون من الاتحاد الإفريقي ستفضي إلى إيجاد حل للأزمة في شرق الكونغو الديمقراطية, إضافة للجهود الأوروبية لإنهاء الصراع مع وصول وزيري الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند ونظيره الفرنسي برنار كوشنير إلى قلب الأحداث.‏

fpressf@yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية