تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أسعار النفط وتداعيات الأزمة المالية

شؤون سياسية
الأثنين 10/11/2008
توفيق المديني

تعتبر الدوائر الغربية انخفاض سعر برميل النفط إلى مادون 60 دولاراً شيئاً جيداً, ففي ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية

على صعيد الأسواق المالية كلها, ها هو العالم يشهد تراجعاً في سعر برميل النفط إلى أكثر من النصف منذ أن سجل الرقم القياسي 147.50 دولاراً في 11 تموز 2008, فبعد أن بلغ سعر البرميل الواحد في هذا الصيف حوالى 150 دولاراً, واعتقد الجميع أن البلدان المنتجة للنفط سوف تكون بمنأى عن التداعيات الخطيرة للأزمة المالية العالمية التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا,وها هو تراجع سعر النفط يكشف لنا أن البلدان النفطية ليس لديها بنية مالية بعيدة عن المناعة.‏

ويرى الخبراء الغربيون في انخفاض سعر برميل النفط عنصراً من شأنه أن يخفف بحدود معينة من حدة الانكماش الذي يضرب الاقتصاد العالمي, ولاسيما في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا, وفضلاً عن ذلك, فقد ترافق مع انهيار أسعار النفط تراجع عام في أسعار المواد الأولية, وهذا بحد ذاته سيخدم مصالح المتعهدين والمستهلكين, يقول رئيس البنك الفرنسي كريستيان نويير, في هذا الصدد: ( نحن نشهد منذ شهرين انقلاباً في الصدمة النفطية والغذائية التي أعقبت بشدة النمو الاقتصادي خلال النصف الأول من السنة), وهو يعتقد أن هذه الآفاق (استمرار انخفاض المواد الأولية) سيسرع من إعادة الإقلاع الاقتصادي.‏

بيد أنه في الوقت الحاضر, نجد أن التقديمات السلبية للمستثمرين والمستهلكين هي التي تغذي الانهيار العام في الأسواق العالمية, فالاقتصاديات الكبيرة الناشئة مثل اقتصاديات الصين والهند على سبيل المثال, التي شكلت لفترة طويلة المحركات الأخيرة للأنشطة الاقتصادية العالمية, تتعرض بدورها للإسقاطات المدمرة لتراجع الطلب في أوروبا وأميركا: وهذا مانجم عنه هبوط في الضغط إلى الارتفاع في أسعار الطاقة, ويعتبر المؤشر القاطع على هذا الهبوط العام في النشاط الاقتصادي تراجع حركة النقل البحري إلى أدنى مستوى لها منذ 2002.‏

إذا كان سعر النفط منخفضاً, فالأمر يعود بالضبط إلى استباقية الأسواق في الركود, وهو مايقود إلى هبوط في الاستهلاك, الأمر الذي يسمح بإعادة تشكيل الكميات المخزنة, أما البلدان المنتجة للنفط فهي تمتلك قدرات إضافية بالقياس إلى الطلب, وبقدر ماتكون هذه القدرات مهمة, بقدر ماتكون الأسواق أقل اضطراباً, وبالتالي تميل الأسعار إلى التهدئة, أما انخفاضها فهو مؤشر على الاتجاه السلبي للأوضاع الاقتصادية.‏

لقد أظهرت بيانات أميركية يوم 30 تشرين الأول الماضي انكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة سنوية بلغت 0,3 في المئة, وبطبيعة الحال كان سعر النفط أول المتأثرين, وقالت وزارة التجارة الأميركية إن انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث كان الأشد منذ الفترة ذاتها في 2001 وإن كان يقل قليلاً عن معدل انخفاض قدره 0.5 في المئة, وينطوي انكماش الاقتصاد في الربع الثالث على تحول حاد عن معدل النمو القوي نسبياً, الذي شهده الربع الثاني عند 2.8 في المئة, وتراجع إنفاق المستهلكين الذي يغذي ثلثي النمو الاقتصادي الأميركي 3.1 بالمئة في الربع الثالث, وهو أول هبوط في الإنفاق الفصلي منذ الربع الأخير من 1991 والأكبر منذ الربع الثاني من 1980, وتراجع الانفاق على السلع غير المعمرة بأكبر معدل منذ أواخر عام 1950‏

مع انخفاض سعر برميل النفط إلى مادون 60 دولاراً, تكون مرحلة الرخاء قد شارفت على نهايتها بالنسبة للبلدان المنتجة للنفط, ولاسيما للدول التي تمتلك كثافة سكانية كبيرة, والتي وظفت أموال الريع النفطي في تمويل سياستها العمومية- الشعبوية أحياناً- مع تحقيق توازن في الموازنة في الوقت عينه.‏

لاشك أن البلدان الحساسة لهذا الانخفاض, مثل إيران, العراق, وفنزويلا, ستعرف أوضاعاً اقتصادية صعبة, إذ تشكل مبيعات النفط لها المصدر الرئيس من العملات الصعبة والضامن الممول لموازناتها العامة بنحو 90 في المئة, فقد حصلت الدول النفطية على عائدات تقدر بنحو ألف مليار دولار في سنة 2007, وأمنت لها الأسعار المرتفعة جداً للنفط في النصف الأول من سنة 2008 عائدات كبيرة, لكن يبدو أن سنة 2009 ستكون أكثر توتراً, إذا دخل العالم في مرحلة من الانكماش الاقتصادي تقود بدورها إلى تراجع في الاستهلاك وأسعار النفط.‏

البلدان المنتجة للنفط ليست على حد سواء, لأنها ليست لها نفس التكاليف للإنتاج النفطي, ولاحتى نفس العائدات من مبيعات الذهب الأسود, أو نفس الانضباط في الموازنة, وحسب تحليل صندوق النقد الدولي, فإن العراق يظل البلد الأكثر عرضة للتأثر بتراجع أسعار النفط, إذ يقتضي برنامج إعادة الإعمار للصناعة النفطية أن يكون سعر برميل النفط بحدود 110 دولارات والعراق الذي يمتلك ثالث أكبر احتياط نفطي في العالم, يتمنى أن يضاعف إنتاجه من النفط لكي ينقله من 2.5 إلى 6 ملايين برميل يومياً في السنوات العشر القادمة, وأن تساهم الشركات النفطية العالمية في الاستثمار في البنية النفطية.‏

أما إيران التي تمتلك ثاني أكبر احتياط نفطي في العالم, فهي تأتي في المرتبة الثانية, إذ يتطلب تحقيق التوازن في موازنتها أن يكون سعر البرميل 90 دولاراً, تليها فنزويلا نحو 80 دولاراً وفي الجزائر يتطلب المشروع الضخم للاستثمارات العمومية في البنية التحتية (السياسة الصناعية الجديدة) الذي يهدف إلى تجسيد القطيعة مع التبعية للعائلات المتأتية من الريع النفطي, بفضل تنوع اقتصادها, أن يكون سعر البرميل بحدود 56 دولاراً, أما البلدان الخليجية القليلة السكان مثل دولة قطر, ودولة الكويت, وليبيا, والمملكة العربية السعودية, فإن بإمكانها أن تكتفي بالتناوب بالأسعارالتالية: 24 ,33, 47, و49 دولاراً.‏

ولما كانت الدول الخليجية الغنية بالنفط تشكل خشبة الخلاص الاقتصادي لعدد من الدول العربية التي تعاني من أزمات اقتصادية وفائض في العمالة, مثل مصر فإن أي تراجع في أسعار النفط, يتردد صداه في معظم الشرق الأوسط .,كما وجدت الدول الخليجية نفسها في قلب أزمة مالية عالمية, يقول مايكل سلاكمان في مقاله: التباطؤ في الخليج يتردد صداه في الشرق الأوسط , المنشور في صحيفة إنترناشيونال هيرالدتريبيون تاريخ 31 تشرين الأول 2008, إن حقبة أسعار النفط الشديدة الارتفاع, وعلى الرغم من أنها أصبحت الآن من الماضي, خلفت لدى معظم عواصم المنطقة احتياطياً كافياً من السيولة يسمح بالتخفيف من وطأة الضربة, بحسب علماء الاقتصاد والخبراء الماليين في المنطقة, ويقول محللون إقليميون إنه مادام سعر برميل النفط يتجاوز خمسة وخمسين دولاراً, فسوف تجني معظم الحكومات مبالغ تفوق تلك التي تخصصها في موازناتها.‏

كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية