تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوراق ثبوتية...

آراء
الأثنين 10/11/2008
حسين عبد الكريم

أجمل العشق يبقى برسم الأمانة والحفظ والصون... العشق هذا هو ورق الروح المطويُّ, الذي لا تفلشه الصباباتُ ولا تنجز حبره الوعود, ولا تفكُّ ألغاز بروقه الغيمات والرعود.. فلا يخرج الى دائرة ضوء الشوق, ولا هو ينطفىءُ ويعود..

هو النار التي لا تصدر نشرات اشتعالها أغصان شجر العاشق والعاشقة..‏

العشق, في أحسن حالاته-أبدٌ مهزومٌ أمام الوضوح وسخط أسئلة الواقع.. هو سرٌ متى كسرنا أقفاله بعثرناه كشظايا رماد ناقص البهجة والأبهّة الراقية...‏

والمؤتمن على هذا العشق المطوي ليست شركات الاستثمار والتسويق الاعلاني, وليست هيئات الاستشعار عن بعد أو عن قرب.. المؤتمن عليه لحظات شروق اللهفة العاشقة, والذاكرة غير الموحلة معنيةٌ بالائتمان عليه...‏

نظرة عاشقة تكفي جوع العاشق سنة شوق وجوع وعطش, تسقيه وتطلق فجره من قيد عتمته, وتفلت سرب عصافير من أقفاص خشيتها الآثمة...‏

العشق الذي برسم الأمانات هو أجمل ما فينا, وهو ناقوس عهودنا ورعودنا وأمطارنا الواعدة والعالية..‏

في حارات المساء صادفت عينين تتسكّعان عند مفترق الوجد.. حاولت المرور قبل شارات الغبش وعينيها, فلاقيت النظرات تكتب عنوان مساء بأكمله, ولقيتها المدينة وعتبات النعاس بأسماء وردها وعطرها, وقبل ذهاب الكلام الى مخابىء اللفتات تركت صوتها مثل ناطور حنين لا ينام, ولا يتعب.. فصرت حارس الصوت والنظرات وأسئلة العينين, وعيّنت نفسي أمين سجل عينيها, ومسؤول أمانات النظرات العاشقة جداً, والمتروكة كهدايا أسطورية في خزائن البال والزمن العاشق كله, والصاعد الى أعالي القصائد.. بعد هذا الحنين ماذا تبقى للعاشق والعاشقة غير الأمانة وصك أختام العهود?!‏

كلَّ حزن ووجد انتظر قدام باب الأفق لتطلّ من شرفة البال عيناها, وتحاورني النظرات, وأشرب وصوتها فنجان عشق المساء أو الظهيرة أو أي وقت يليق بحبيبين أن يشربا فيه بعض رشفات حنان.‏

كامل أوراق العاشق الثبوتية موجودة في أمانة سجل عيني العاشقة, وإذا كان الأمر غير هذا, يجب التدقيق بثبوتيات العشق الأولى وإحداثيات أولى اللهفات واللفتات..‏

حين لا يعثر العاشق على أوراقه الثبوتية في نظرات حبيبته وأمانة سجل الكحل والابتسامة عليه أن يٌغير مسار قطار أشواقه, وأن يبدل العربات وموسيقا السير والتوقف..‏

وإذا أخطأ في تحديد أوراقه الثبوتية وأمانة سجل النظرات العاشقة يسقط حالاً في امتحانات القبول في مدرسة العشق المؤمّن عليه من قبل الهيئة العليا لرعاية المحبين, التي يديرها المحبون أنفسهم وتعاونهم الأشواق والأمنيات.. الذين يخطئون في الاهتداء الى أوراق عشقهم الثبوتية عليهم أن يعتذروا عن دروس الحب كيلا يسقطوا في المقررات اللاحقة..‏

العيب في العشق صعبٌ أيها الراسبون في امتحانات القبول.. والنجاح في المواد والدروس الأساسية يحمي العاشق من آلاف السقطات, ويقوّي بصيرة العاشقة, فنقرأ من بعيد جداول أمطار عمرها, وتحدد برامج حسنها ومواعيد البروق والمواسم..‏

كثيراً يخطىء القادمون الى العشق:‏

يظنون أنهم عرفوا الأوراق العشقية المطلوبة ووصلوا الى الأمانة المعنية.. وحين الحقيقة يكتشفون أنهم مخطئون, ويرسبون في امتحانات الحب الشفهية والكتابية, ويحترقون بنيران الواقع.. أو يصدؤون..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية