تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل..?

آراء
الأثنين 10/11/2008
جلال خير بك

قد يكون انتخاب باراك أوباما وجهاً من وجوه التغيير في سياسات الإدارة الأميركية, وقد تكون الديمقراطية التي أوصلته إلى البيت الأبيض دافعة لآمال العالم كي تعيد إلى الولايات المتحدة وجهها الإنساني وتمسح عن خارطة الأحداث الصورة البشعة الدامية التي رسمتها إدارة بوش وطاقمه الحاكم.

وللعالم كله الحق في ذلك والمنطقة العربية واحدة من المناطق التي عانت من تلك السياسة الرعناء فجعلت أميركا على رأس قائمة الدول المكروهة, حيث وزعت الأذى يميناً وشمالاً ولم ينج منه حتى الدول التي تحالفها!!.‏

ولئن كان الشارع العربي قد قابل المفاجأة الأميركية بانتخاب أوباما.. بشيء من الارتياح والأمل شأنه شأن جميع شوارع العالم, فإن الوقت مازال مبكراً على ذلك الفرح إن كان يحق لنا القول بأنه (فرح)!.‏

وما يهمنا نحن العرب ليس ذلك الرئيس الأميركي الذي يذهب أو هذا الذي يأتي.. بل يهمنا موقفه من منطقتنا وقضايانا وموقفه من الإنسانية عموماً, فلقد عودتنا الإدارات الأميركية السابقة على أسطوانة مكرورة تذهب وتأتي مع كل انتخابات في بلادها وهي المغالاة في تقديرها للصهيونية ووقوفها معها حتى لكأن الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة, هو قضية أميركية داخلية كما قال القائد الراحل حافظ الأسد طيب الله ثراه:‏

ما يهمنا من الرئيس المنتخب الجديد: ليس لونه أو أصله الافريقي ولا الآمال المعقودة على مجيئه إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية بل توجهاته وعمله وعلاقته بالإنسانية عموماً وبأمتنا بشكل خاص.‏

بيد أن المغالاة في تحميل الدنيا مشكلاتنا وتقاعسنا هو ما يأتي في الأولوية.. فليس مطلوباً من أوباما أن يقدم لنا كل شيء بل مطلوب منا أن نكون تجاهه أصحاب موقف وقضية كي يسهل عليه وعلى العالم فهمنا والوقوف إلى جانب قضيتنا العادلة .. فمن يفرط بحقوقه ويتساهل في قضية الدم العربي المسفوح هنا وهناك ويجعل من نفسه مطية لكل عدو. يجب ألا يطلب من الرئيس الأميركي الجديد أن يعيد إلينا حقوقنا التي (نسيناها) وأن يقاتل نيابة عنا من أجل القضية العربية التي صرنا نختلق لعدونا ألف عذر وعذر لابتلاعها!! ونفتح فضاءنا وسماءنا لأعلامه كي ترفرف فيها ما طاب لها وما اشتهت.‏

إن قضية العرب الأولى هي في موقفهم ودفاعهم عن كرامتهم.. في تكاتفهم بدل تفرقهم ,في وحدة موقفهم عوضاً عن تشتتهم وتمزقهم في خضوعهم والاتحاد ضد كل عربي يقول للأعداء: لا.‏

ولذا ليس مطلوباً من الرئيس الأميركي المنتخب أن يضطلع بواجباتنا جميعاً ونحن غافلون نائمون نغمض عيوننا عن جراحنا في مشرق أمتنا ومغربها وننسى بكل (أريحيتنا) ذلك الدم الذي يسيل قربنا وفي بيوتنا ونحن نتفنن في تقديم التنازلات للوحش الذي تسيل دماؤنا من فمه ومن بين أنيابه.‏

للعرب حق التفاؤل بالرئيس الأميركي الجديد يتعشمون فيه وقفة موضوعية ورؤية إنسانية لكل ما يجري في العالم ولكل ما اقترفته يد (الراحل بوش) من جرائم تخجل الإنسانية من ذكرها وتذكّرها, لكن الخطوة الحقيقية هي لنا نحن ولموقفنا العربي الذي يجعل العالم يحترمنا !! فالرئيس الجديد يجب أن ينظر إلى رؤوسنا المرفوعة وصدورنا المدماة وهي تدافع عن حقها لا إلى رؤوس مطأطئة تنتظر الأوامر والقتل.. ولا إلى صدور لا يتحرك فيها لون قان بل دم أسود يتحلّب ريق العالم على محروقاته وإشعالها ومع قناعتنا بحق العالم بالتفاؤل (ونحن منه) لا بد لنا من القول:‏

- سيعيد إلينا الرئيس الأميركي الجديد, أرض فلسطين وكافة الأراضي العربية المحتلة?! متى سيعيد إلينا دماء شهدائنا وبياراتنا وبساتيننا وزيتوننا وبيوتنا المهدمة في أرض فلسطين?? ومتى سيعيد إلينا كرامتنا المهدورة التي توزعت, لاجئين وفقراء وتعساء في شتى بقاع العالم?! وكيف سيزيل لنا الجدران العازلة ويعيد لنا أضلاعنا وعظامنا التي كسرها الصهاينة لأبنائنا وهم يدافعون بالحجارة عن كرامة فلسطين فوق أرض فلسطين المحتلة وفي مرج الزهور وغيره? ومتى سيعيد لنا دماء وأرواح الشهداء من فلسطين والأقطار العربية الذين صاروا قوافل وقوافل نسيها التاريخ الذي لم نحسن كتابته??! ومتى سيعيد لنا دماء وأرواح الأبطال الفدائيين الذين كتبوا تاريخ الفداء بدمائهم في أرض فلسطين وأوروبا في العالم كله??.‏

- وهل يعيد لنا الرئيس الأميركي الجديد العراق كما كان? ويحوّله لنا إلى جنة بعد أن أصبح خراباً بخراب?? وهل يعيد إلى مدينة الرشيد ألقها الأول وحضورها العربي والدولي?! وكذلك علماء العراق الذين قتلتهم المخابرات المركزية والموساد الإسرائيلي ليكملوا النهضة التي بدأتها بلاد الرافدين? والأهم من ذلك هل يعيد لشعب العراق كرامته وأرضه العامرة ونخيله وأشجاره وكنائسه ومساجده وهدوئه واستقراره?.‏

- ومن المهم أيضاً هل يعيد الرئيس الأميركي الجديد إلى العراق آثار نهضته وحضارته المسروقة المنهوبة? بل محتويات متحف بغداد وأولها لوح (السبي البابلي) التي نهبها (الموساد) برعاية جورج بوش وقواته التي جاءت لتحررنا وتهبنا العدالة والديمقراطية?! والأهم الأهم: هل يعيد لنا وحدة التراب العراقي ونسيجه الاجتماعي المتناغم الذي عاش حقباً طويلة من الأخوة والتلاحم??!‏

- ولا بد أيضاً من السؤال : هل يعيد للعراق بتروله المنهوب الذي أثرى جورج بوش وأذنابه وعملاءه من سرقته ونهبه حتى لكأنه (نفط أبيه).‏

إن الرئيس الأميركي الجديد معوّل عليه كي يقف موقفاً إنسانياً من قضايا شعوب العالم وخاصة منطقتنا العربية, لكن الموقف الأول لنا, فهو غير مطالب بأن يقف معنا ويحلّ جميع معضلاتنا ما دمنا لا نقف مع أنفسنا ومن كان صاحب قضية يواجه العالم برأس مرفوع وقدم ثابتة ينل احترام العالم وتقديره لقضيته وهامته المرفوعة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية