تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلى ناقد لا أعرفه

رسم بالكلمات
الأثنين 10/11/2008
أنور عمران

أعترف بدايةً بتقصيري, إذ أنني لم أقرأ قبل الآن بحثاً أو دراسةً يتعلق موضوعها بالأدب وشؤونه, مُوقَعةًً باسم السيد (صلاح إبراهيم الحسن),

لا في الدوريات المحلية, ولا في العربية أو العالمية, وقد يكون ذلك مرده إلى كثرة المشتغلين في الصحافة الثقافية, وكذلك كثرة الجهات المانحة لشرف النشر .. ومهما يكن, فكل ما أعرفه عن السيد المذكور هو ما وصلني من أحاديث بعض الأصدقاء, والتي تفترض أنه يقرض الشعر, ومع افتراض المصداقية في أحاديث الأصحاب أرى أن الشاعر أو من يحاول أن يكون, إذا ما تنطح للنقد ( وخصوصاً في المرة الأولى), ستكون طريقته في كتابة قصيدته هي مسطرته التي يقيس وفقها طول الشعر وعرضه والجيّد والردئ منه, فلولا قناعته بأحقية هذه المسطرة ما كان نظم قصائده حسب تدريجاتها, ولكان امتنع عن أن يرى (مثل كل شعراء العالم) أن قصيدته هي أفضل قصيدة في العالم, فالسيد إذأً انطلق من فهمه للشعر لا للنقد, وأتحفنا بعدها بآرائه في قصائدنا, وكنت سأغض النظر عن عدم منطقية ( نقده التطبيقي) لولا ضرورة التوقف عند أخطاء فادحة يقع فيها عادةً هواة النقد من الشباب, وإن كنت أُقدِّر للسيد حماسته وحبه للأدب ونواياه الحسنة, ولكن (الطريق إلى جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة).‏

يفتتح السيد انطباعاته عن القصيدتين االمنشورتين في صحيفة الثورة - الرسم بالكلمات, والموقعتين باسمي, قائلاً (يتألف نص عمران من مقطعين لكل منهما بنيته المستقلة والجامع بينهما هو الحقل الطبيعي الذي ينتميان إليه, فالأول الجبل, والثاني الريح), ولا أدريِ كيف يمكن لخطأٍ تقني أن يُوقع ناقداً مبتدئاً في هكذا فخ, ثمة قصيدتان لا رابط بينهما, وأما الحديث عن مقطعين فقد أحال إليه الشكل الإخراجي للصفحة لا أكثر ولا أقل, وعندما يقول: (والجامع بينهما هو الحقل الطبيعي الذي ينتميان إليه, فالأول الجبل, والثاني الريح), أرى أنه من حق النقد , كما تدعي المقولة, أن يعتبر قصيدتي محمود درويش (ياسمين على ليل تموز, أحمد الزعتر) قصيدة واحدة, لأن الزعتر والياسمين (الجامع بينهما هو الحقل الطبيعي الذي ينتميان إليه), ويرى السيد صلاح أن (المقطع الثاني أكثر تماسكاً من الأول فقد استدعى الشاعر أكثر من صورة تنتمي إلى حقل الريح: كالريش, والأجنحة, وصفير القطار,والمجداف الذي ربما أراد به الشاعر الشراع ولكن الوزن هو الذي دفع الشاعر لاختيار لفظة المجداف), ومن هنا يحق لي أن أفترض أنني إذا ما رغبت في كتابة قصيدة عن مرض حبيبتي, ينبغي أن أستدعي صوراً تنتمي إلى حقل المرض كالمصل والدم والحقن والضغط والإيكو والرنين المغناطيسي, أما إذا اشتهيت الكتابة عن ثوبها الجميل فيجب أن تكون الصور من حقل الثوب كالأزرار والخيطان والياقة والأكمام, وسأحصل عندها, وبكل تأكيد, على أبشع قصيدتين في العالم ... أما عن احتمال أن يكون الوزن هو دافعي إلى استخدام مفردة مجداف عوضاً عن الشراع, فأظن أن من يمسك المجداف ويعارك الموج سيكون فاعلاً أكثر من ذلك الذي يتأمل الشراع في قصيدة تتخذ من الريح موضوعاً لها.‏

وكي أتتبع ما قاله السيد حرفياً لا بد من إيراد الجملة التالية: (المقطع الأول اتسم بالحشو والتداعي المجاني كما في صورة (المناديل اغتراب في الأفق, الفتاة التي تحن للمحطّات) فهي جميلة ولكن مقطوعة الجسور بالنص, وقد وفق الشاعر في استدعاء حادثة الطوفان والبحث عن الاعتصام بالجبل, وهنا أعطى الجبل معنى رمزياً), طبعاً بات من المفهوم أنه, وعندما يقول المقطع الأول, فإنما يتحدث عن القصيدة الأولى, القصيدة الأولى الموسومة ب(لا بد من جبل), تستحضر الجبل بوصفه حداً لا بد من اجتيازه ليكتمل السفر وتتضح الغربة, وما من سفرٍ إن لم ترافقه المناديل, أما عن علاقة الحنين والمحطة بالسفر, فأظن أنه ما من داعٍ لأن أكتب ماهيتها.‏

وتبقى الجملة الأخيرة, الكلاسيكية والشائعة والممجوجة والمكرورة, والحاضرة دائماً في جعبة من يريد أن يتحدث عن الشعر دون عناء: (والواضح أن الشاعر لم يبرئ تماماً من لغة محمود درويش التي بدت واضحة في النص), هذا الرأي يقوله كل من سمع عن درويش دون أن يقرأه لمن قرأ أو لم يقرأ من الشعراء, حتى أنني, ولا أبالغ, قد سمعت أخت أحد أصدقائي الشعراء, (عمرها خمسة عشر عاماً) تقول له ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية