|
معاً على الطريق وشطآن مفترسة ومصابيح يهطل منها الأنين ومرايا نرى فيها وجوهنا ولا يرانا أحد ......................................... في الغربة ..يأكل المرء ذاكرته ويشرب كل مساء حنينه البعيد لا يفيق من الشوق إلا على الشوق ولا ينام إلا في عيني طفولته الغاربة ......................................... هي الغربة . - مضيعة الأصل - هي الغربة هذا الألق والغواية والحريق . ......................................... تقدر الغربة أن تمرر إليك رائحة البيوت العتيقة وتوصل إليك عطر أمك ورائحة قهوتها وعشب الطريق وأحياناً والدك يعبر الشارع وتناديه فلا يلتفت وقد تمرّ امرأة تشبه خالتك أو عمتك أو تمر صبية تقول هي (ليلى الأخيلية) التي كنت تهواها وكانت تفرط لأجلك الورد في دفاترها والغربة.. تمرر كل هذه المباهج والحرائق وأنت على رصيف غريب ترقب باقة من صبايا حارتك يعبرن ضفاف قلبك ولا يلقين عليك السلام . ......................................... هي الغربة.. تأخذك من يدك وتسير بك إلى سراب السراب لكنها سرعان ما ترميك في يم ّ المتاهة المفزعة. أيها التائه الغريب، لا تعبر من هنا ولا ترم بأعقاب ذكرياتك هناك نم على مقعد الحديقة واكتب وصيتك (إذا متّ احملوا رمادي وألقوه في الفرات أو بأرض الشآم أو في الساحل الخصيب أو قرب وادي الصراخ. ......................................... آه يا دمشق جسور وحور عين وقاسيون يحطّ على صخر اليقين حصون تسير حولك ومدن تجتاز نبضك وأنت الواقفة بين سنابل القمح وسنابل التاريخ. يمر بردى يزنر الحرير ..أهذا زنار ضوء أم هي حقول ورد تشبه البلاد التي كانت بلاداً زاهية ؟ وكان لك فيها شجر وبحر وامرأة بيضاء كقطن الجزيرة أو سمراء مثل لوز حلب . شهباء التي لوحها الهجر والآلام فمات الحرف وجف اللقاء . ......................................... ويقال : الغربة فتية أبداً بينما الغريب يشيخ الغربة داهية تغويك وترميك على قارعة الوجع بينما البلاد القاهرة حانية وصابرة ومقهورة ......................................... أيتها البيوت لا تغلقي أبوابك مساء سيعود الغائب ويقرع الباب ..لا تعبثي في وجهه ولا تخبئي المفتاح سيأتي يوماً ويلقي الكلام على العتبات الباكية قد يجد خوذة لأخيه الشهيد عند أصيص الغياب وقد يجد (قنباز) أبيه يرتدي شجرة زيتون أو يرى عكازه مخضرّاً كشجر البرتقال وقد لا يجد مفتاحاً .. ولا قمراً ينتظره فالمفاتيح تسافر هي الأخرى وتغير الطريق. أو تنام دهراً عند عتبات دامية. ......................................... أيها الجيران لا تغلقوا الأبواب في وجه الغريب علقوا المصابيح كي يعرف الغائبون طريق الرجوع سيعودون جميعاً.. المسافرون والشهداء وهودج زنوبيا, وهدهد بلقيس سيعودون.. وسيرفّ الفرات ودجلة كما بردى حول سميراميس لكن هل تحنو البلاد البعيدة وتفتح أبوابها ليوسف الغريب ويوسف في الجبّ ينادي والنداء بعيد, بعيد ؟ ......................................... آه يا دمشق يا أجمل المدن.. قفي شامخة كأشجار حورك، صامدة كسنديان الجبال البسي بردى كسوار في قدميك وسيري.. لا تنحني أيتها البهية العالية الغاضبة لا تذرفي الدموع يا باذخة الحنين ظلّي كما أنت رأسك في السماء ..وقدماك في الورد وثوبك الياسمين يا دمشق تليق بك الشموس الخالدة ويليق بك العشاق المخلصون أما عرفت أيتها الفتية الجديدة القديمة الطاعنة في الحرف والحرب بأن عشاقك تركوا أرواحهم حولك ومضوا ؟ فنامي قريرة الزمان العتيق.. فالشهداء يحرسون تاجك ويرمون قلوبهم بين يديك فسلام عليهم أبطال الحق والحب وسلام عليك إلى آخر الدهر.. وآخر اليقين. ......................................... |
|