تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غواية الغياب

معاً على الطريق
الأربعاء 27-4-2016
أنيسة عبود

قيل : الغربة عريّ وعراء وهجير

وشطآن مفترسة ومصابيح يهطل منها الأنين‏

ومرايا نرى فيها وجوهنا ولا يرانا أحد‏

.........................................‏

في الغربة ..يأكل المرء ذاكرته‏

ويشرب كل مساء حنينه البعيد‏

لا يفيق من الشوق إلا على الشوق‏

ولا ينام إلا في عيني طفولته الغاربة‏

.........................................‏

هي الغربة . - مضيعة الأصل -‏

هي الغربة هذا الألق والغواية والحريق .‏

.........................................‏

تقدر الغربة أن تمرر إليك رائحة البيوت العتيقة‏

وتوصل إليك عطر أمك ورائحة قهوتها وعشب الطريق‏

وأحياناً والدك يعبر الشارع وتناديه فلا يلتفت‏

وقد تمرّ امرأة تشبه خالتك أو عمتك‏

أو تمر صبية تقول هي (ليلى الأخيلية) التي كنت تهواها‏

وكانت تفرط لأجلك الورد في دفاترها‏

والغربة.. تمرر كل هذه المباهج والحرائق وأنت على رصيف غريب‏

ترقب باقة من صبايا حارتك يعبرن ضفاف قلبك ولا يلقين عليك السلام .‏

.........................................‏

هي الغربة.. تأخذك من يدك وتسير بك إلى سراب السراب‏

لكنها سرعان ما ترميك في يم ّ المتاهة المفزعة.‏

أيها التائه الغريب، لا تعبر من هنا‏

ولا ترم بأعقاب ذكرياتك هناك‏

نم على مقعد الحديقة واكتب وصيتك‏

(إذا متّ احملوا رمادي وألقوه في الفرات أو بأرض الشآم أو في الساحل الخصيب‏

أو قرب وادي الصراخ.‏

.........................................‏

آه يا دمشق‏

جسور وحور عين‏

وقاسيون يحطّ على صخر اليقين‏

حصون تسير حولك ومدن تجتاز نبضك وأنت الواقفة بين سنابل القمح وسنابل التاريخ.‏

يمر بردى يزنر الحرير‏

..أهذا زنار ضوء أم هي حقول ورد تشبه البلاد التي كانت بلاداً زاهية ؟‏

وكان لك فيها شجر وبحر وامرأة بيضاء كقطن الجزيرة أو سمراء مثل لوز حلب .‏

شهباء التي لوحها الهجر والآلام‏

فمات الحرف وجف اللقاء .‏

.........................................‏

ويقال : الغربة فتية أبداً‏

بينما الغريب يشيخ‏

الغربة داهية تغويك وترميك على قارعة الوجع‏

بينما البلاد القاهرة حانية وصابرة ومقهورة‏

.........................................‏

أيتها البيوت لا تغلقي أبوابك مساء‏

سيعود الغائب ويقرع الباب ..لا تعبثي في وجهه ولا تخبئي المفتاح‏

سيأتي يوماً ويلقي الكلام على العتبات الباكية‏

قد يجد خوذة لأخيه الشهيد عند أصيص الغياب‏

وقد يجد (قنباز) أبيه يرتدي شجرة زيتون‏

أو يرى عكازه مخضرّاً كشجر البرتقال‏

وقد لا يجد مفتاحاً .. ولا قمراً ينتظره‏

فالمفاتيح تسافر هي الأخرى وتغير الطريق.‏

أو تنام دهراً عند عتبات دامية.‏

.........................................‏

أيها الجيران لا تغلقوا الأبواب في وجه الغريب‏

علقوا المصابيح كي يعرف الغائبون طريق الرجوع‏

سيعودون جميعاً.. المسافرون والشهداء وهودج زنوبيا, وهدهد بلقيس‏

سيعودون.. وسيرفّ الفرات ودجلة كما بردى حول سميراميس‏

لكن هل تحنو البلاد البعيدة وتفتح أبوابها ليوسف الغريب‏

ويوسف في الجبّ ينادي والنداء بعيد, بعيد ؟‏

.........................................‏

آه يا دمشق‏

يا أجمل المدن.. قفي شامخة كأشجار حورك، صامدة كسنديان الجبال‏

البسي بردى كسوار في قدميك وسيري.. لا تنحني أيتها البهية العالية الغاضبة‏

لا تذرفي الدموع يا باذخة الحنين‏

ظلّي كما أنت رأسك في السماء ..وقدماك في الورد وثوبك الياسمين‏

يا دمشق‏

تليق بك الشموس الخالدة‏

ويليق بك العشاق المخلصون‏

أما عرفت أيتها الفتية الجديدة القديمة الطاعنة في الحرف والحرب‏

بأن عشاقك تركوا أرواحهم حولك ومضوا ؟‏

فنامي قريرة الزمان العتيق.. فالشهداء يحرسون تاجك ويرمون قلوبهم بين يديك‏

فسلام عليهم أبطال الحق والحب‏

وسلام عليك إلى آخر الدهر.. وآخر اليقين.‏

.........................................‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية