|
بث مباشر
تشدني بقوة البرامج التي تأخذنا بعيداً عن التنظير والتوصيف والتحليل والتمحيص في الحدث، تلك البرامج التي تعطي نماذج وتثبت بالأدلة عن هذا السوري الذي طوع الظروف وما استكان لها. لأن جذوره ضربت عميقاً في الأرض وارتفعت هامته عالياً في السماء، ولذلك لم ينكسر ولم تقتلعه من أرضه مهما اشتدت العواصف عليه. حقاً هو طائر الفينيق الذي ينبعث حياً دوماً من رماد فنائه، ويسعى للتفوق على ذاته. وفي ظل ما نعانيه من تبعات الأزمة التي نحياها بكل مرارتها وآلامها وجروحها التي غارت عميقاً في قلوبنا ولكن لم تطفأ لدينا شموع الأمل والتفاؤل والشعور بالثقة بقدراتنا نحن السوريين على تجاوز أي أزمة تعترض طريق مسيرنا في هذا العالم، بات علينا من الصعب متابعة البرامج التلفزيونية في مواعيدها، ونتيجة ذلك بتنا من متابعيها على اليوتيوب. وعلى تلك الشاشة الزرقاء تابعت برنامجاً على قناة تلاقي كان الضيف فيه هو عازف العود ومدير دار الأسد للثقافة والفنون جوان قره جولي. في حديثه خلال مقابلة معه جمعته مع بعض الشبان الذين يعلمون العزف أو ممن يتدربون على العزف ضمن مشروعه (أوتار اون لاين) الذي أطلقه على الشبكة العنكبوتية لتعليم العزف على الآلات الموسيقية، ووصفه بأنه الموقع الوحيد في العالم الذي يعلم العزف على الآلات الموسيقية عبر الانترنت، روى لنا الموسيقي وعازف العود جوان قره جولي روايات حدثت معه عن طلاب يتبعون دوراته، جعلتنا نردد.. من سحق الخراب بعثنا.. من عمق الجراح طلعنا.. ومن وجعنا، قمحنا زرعنا، روى وهو مدير دار الأسد للموسيقا أن قذائف الهاون التي كانت تنهمر فوق دمشق في أحد الأيام لم تثن الجمهور السوري عن الحضور إلى دار الأوبرا للاستمتاع بحفل موسيقي كان يومها هو الأروع حضوراً. أعطى نماذج عن شبان أصروا على القول أن سورية هي بلد الجمال والحب والفن والإبداع والتحدي لتقديم الأفضل والوجه السوري الحقيقي الذي نعرفه وسيبقى. شباب سوريون قادرون من خلال طاقاتهم وإمكانياتهم والإرث الذي يملكوه أن يتحدوا كل الصعاب، شبان أصروا أن يقولوا ضمن الضخ الإعلامي أن سورية ليست بلد القتل والدم كما تحاولون رسمه عنها. الحادثة الأروع التي رواها هي إصرار ذلك الجندي في أحد خطوط المواجهات مع التنظيمات الإرهابية التي حاولت شل حياتنا على متابعة درسه الموسيقي في العزف على آلة العود عبر الاون لاين مع العازف جوان قره جولي، لأنه من متابعي الدروس لديه ضمن مشروعه الرائد (أوتار اون لاين) « هذه أصوات اشتباكات قريبة منك ! نعم أنا الآن في إحدى مناطق دمشق وتدور اشتباكات بين رفاقي في السلاح والعصابات المسلحة وقد سمح لي الضابط المسؤول بنصف ساعة لكي أتابع درسي في العزف». «هي إرادة القوة التي وصفها زرادشت» أن إرادة القوة ليست مجرد خاصية من خصائص الحياة فحسب، بل هي ماهية الحياة وجوهرها، فالحياة هي إرادة القوة التي تتفوق على نفسها باستمرار «أستاذ العزف على آلة الكمان يروي أنه كان يعطي درساً على الاون لاين لأحد تلامذته خارج البلاد، تسقط قذيفة هاون بالقرب من بيته الذي كان يعطي منه الدرس ويهتز البيت بقوة شديدة، يسأله طالبه: ما هذا الصوت يا أستاذ ؟ لاشيء دعنا نكمل درسنا». إنه ذلك الذي امتلك من ذاته أدوات مواجهة واقع ظن الناس أنه عصي عن المواجهة، وظل يمارس حياته اليومية بشكل عادي. نعم في دواخلنا بواعث تزين طموحنا من أجل البقاء، أمل يحدونا لأن نجعل من أيامنا أجمل وشاح. نسجته الحياة والأقدار. أمل يبعدنا عن اليأس الذي يخالجنا بين الحين والآخر، وجعلنا نمتلك القوة والأداة لهزمه والانتصار عليه، كي لا تصبح آمالنا مجرد سراب. |
|