تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإعــــلام والروايــــــة العربيـــــــة

ثقافـــــــة
الإثنين 20-8-2012
 عقبة زيدان

الروايات العربية - مع استثناءات قليلة – ينتهي تأثيرها بعد قراءة آخر سطر فيها، تذهب هي وأبطالها وأفكارها، وكأنها لم تكن. والكارثة أن أصحابها يعجبون بها، ويديرون الحوارات التلفزيونية والصحفية، ويتباهون بقدرتهم على الوصول إلى العالمية، التي لم يسمعها بها أحد إلا منهم.

استأثر نجيب محفوظ بريادة الرواية العربية، ومن ثم استأثر بالعالمية، عبر نيله جائزة نوبل، وترجمة أعماله إلى معظم لغات الأرض. ومن ثم بقي الآخرون، رغم ترجمة كثير من أعمالهم إلى لغات أخرى، شبه مجهولين على النطاق المحلي. وقد ساعدهم الإعلام على تكريس وجودهم الضيق.‏

شاعت أسماء روائيين كثيرين في العالم العربي، ولم تتجاوز هذه الأسماء الأساتذة الأوائل في الفن الروائي، إلا أنها سيطرت على الساحة الإعلامية، ولم يتصدّ أحد لها، لأسباب كثيرة، أولها السطوة التي تمتع بها هؤلاء على وسائل الإعلام. وأصبح معلوماً للقارئ أن هؤلاء أصبحوا روائيين بالتقادم أو التراكم الإنتاجي وليس بسبب موهبتهم، التي يشاطرهم بها ربع أبناء الوطن العربي على أقل تقدير.‏

أما الأخطر، فهو أن هؤلاء الكتاب، صاروا يقررون من يمكنه أن يكون روائياً، ومن ينصحونه بالابتعاد عن هذا الفن، خوفاً من تشويهه والتعدي على مفرداته الصعبة والعميقة. وتحولوا أيضاً إلى نقاد ورؤساء وأعضاء في لجان تحكيم الجوائز. لقد استأثروا بكل شيء، وصدقوا أنهم لايقلون أهمية عن محفوظ أو أي أديب عالمي نال نوبل أو رشح لها.‏

إن الجيل الجديد من الروائيين العرب، حاول الخروج من عباءة الرواية العربية وأعلامها المؤسسين والرواد، فأخذوا يفتحون باب الحرية بعبارات نارية، رافضة كل إملاءات زعماء الكتابة السابقين. وفي البداية، وفي الأعمال الأولى للجيل الجديد، استبشر الكثيرون خيراً، وتوقعوا أن رواية جديدة ومتجاوزة ستحيي المشهد الروائي العربي. إلا أن ما حدث كان صدمة حقيقية، إذ لم تكن هذه الروايات سوى انتقام من الواقع، يشبه البيانات السياسية، ومذكرات الترافع في المحاكم، وأيضاً لم تكن سوى خطاب أنثوي مضاد للذكورة والظلم الذكوري، عبر طرح القضية الجنسية كحق لا يمكن حرمان المرأة منه.‏

لم يطل الوقت حتى تكشف وهن الرواية الجديدة، وفقدانها للتقنيات الجديدة، ومحافظتها على الكلاسيكية المقيتة والمهملة في العالم أجمع. واستقر هؤلاء الجدد على رأي مفاده أن القديمين ليسوا أساتذة لهم، بل هم من صنعوا أنفسهم من خلال قراءتهم للتراث العالمي، وللرواية العالمية الجديدة.‏

ومع أن هناك خلافاً على الاعتراف بأهمية أعلام الرواية العربية لجيل السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، إلا أن من هؤلاء من ينصب نفسه وصياً وحكماً على نتاج الأجيال الجديدة، رغم قلة الفارق الإبداعي بين هذه الأجيال.‏

وبالنسبة إلى المرأة، فإن الرواية لديها تمحورت حول الحرية، وقد شكلت رواية (أنا أحيا) 1958 لليلى بعلبكي، تحولاً في كتابة المرأة، إذ إن الهجوم على المحرمات وعدم الخضوع للذكورة والاحتفاء بالجسد الأنثوي، كانت الخطاب الجديد الذي افتتح تاريخاً جديداً، في مقابل خطاب الرجل.‏

جاءت رواية (أنا أحيا) لتعلن الغضب الأنوثي الشديد من عسف الرجل، وأعلنت بطلة الرواية (لينا) عن تمردها على المؤسسات كافة، وأعطت الجسد أهمية قصوى، عبر علاقة مع رجل اختارته هي، ضاربة عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية. فيما بعد تستعيد كوليت خوري في روايتها (أيام معه) الفكرة ذاتها، كإعلان عن حرية الجسد وحرية المرأة. وفي التوقيت نفسه، تصدر صوفي عبد الله روايتها (لعنة الجسد)، ويمضي زمن ويصبح اللعب على العنوان أمراً أثيراً، فتصدر أحلام مستغانمي رواية (ذاكرة الجسد) 1993، ومليكة مستظرف (جرح الروح والجسد) 1999.‏

تنشغل الكتابة الأنثوية بالجسد، ويبدأ العقد السابع من القرن العشرين مع روايات جريئة، تفتتحها غادة السمان بروايتها (بيروت 75) ونوال السعداوي في رواياتها السيرية وتجاربها كطبيبة. وتتابع الروائيات العربيات اللعب على الموضوع نفسه، مع اختلافات التجارب والرؤى، وتحضر أسماء كثيرة، يكون أهمها: ليلى العثمان، هدى بركات، رضوى عاشور، سحر خليفة، حنان الشيخ.‏

ومع بداية القرن الواحد والعشرين، اندفعت مجموعة من الروائيات الشابات، وبمرافقة عدد من الروائيات المكرسات – بينهن مستغانمي والعثمان، والشيخ – إلى الغوص مجدداً وبشكل أعمق في الجسد الأنثوي والجسد الذكري على السواء. واشتد النقد الذكوري لهذه الروايات، وتورط بعض من يعتبرون أعلاماً في الرواية العربية في قذف الكاتبات بأبشع الكلمات، فيما تشددت النساء في الدفاع عن حقوقهن، وأولها حرية الجسد.‏

وعلى العموم، فإن الرواية العربية، ورغم الجوائز الكثيرة التي تمنح لأصحابها، لم تنشغل بعد بالهمّ الرئيس: الفن الروائي الخالص. وتبقى الروايات – الأنثوية والذكورية على السواء – قاصرة عن الإمتاع والفائدة، إذ لا يبدو أن هناك ثقافة مميزة لأصحابها، ولا أفكاراً لامعة، ولا تحقق شروط النص الروائي، أمام الروايات الفذة التي تنهال علينا من العالم.‏

ضاعت معالم الرواية العربية، مع رفض الجيل الجديد تضخم أنا الجيل السابق، ومع عدم قدرته على صياغة رواية خاصة به، وهروبه إلى الكتابة التي تصنع الشهرة السريعة، رغم خلوها من الفرادة والجماليات والمتعة والفائدة.‏

لا فرق – عربياً – بين الأدب الذكوري والأنوثي، فكلاهما واقع في مأزق واحد: لا رواية مكتملة، لا رواية ناضجة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية