|
إضاءات وحتى وقتنا الحاضر يمكن للملاحظ السياسي أن يصل إلى جملة عناصر تحكم السياسة الخارجية الأميركية, يأتي في مقدمتها أنها تضع أهدافاً استراتيجية تنطلق من عقيدة سياسية لا يخرج عنها أي رئيس أميركي سواء كان جمهورياً أم ديمقراطياً ويقتصر التغيير في حدود السياسة الداخلية وإن كان ثمة تعديل على السياسة الخارجية فهو في طريقة تحقيق الأهداف أو التعاطي معها لا في تغييرها وهنا يمكننا الدخول في المعطى الثاني الذي يميز تلك السياسة وهو الديناميكية في التعاطي مع العالم الخارجي والديناميكية تتقاطع تماماً مع البراغماتية وهي النزعة التي تحكم السياسة الأميركية أي القدرة على التعاطي مع الواقع المتغير بما يحقق المصلحة الأميركية بعيداً عن المذهب السياسي للآخر شريطة أن لا يعلن عن عدائه الصريح أو وقوفه بمواجهة السياسة الأميركية ويحول دون تحقيقها إن استطاع ذلك. أما المعطى الثالث الذي يميز السياسة الأميركية من وجهة نظرنا فهو أنها تستخدم كل الوسائل والأساليب والأوراق ووسائل الضغط والنفوذ كي تحقق أهدافها سواء انسجم ذلك مع قواعد القانون الدولي أم لا فالغاية تبرر كل الوسائل جرياً على المكيافيلية التي هي جوهر السياسة الأميركية والقاعدة فيها هي بكل بساطة أن النجاح في تحقيق أي هدف يعطيه قوة القانون، ومن هنا يكتشف الباحث أن أميركا لم يحاسبها أحد على إلقاء القنابل النووية على اليابان وكذلك على مقتل أكثر من مليون أندونيسي في خمسينيات القرن الماضي ومثلهم في حرب فيتنام وفي العقد الماضي على حربيها على أفغانستان والعراق وإزهاقها لأرواح مئات الآلاف منهم. المعطى الرابع هو سياسة النفس الطويل في معاقبة الخصم أي إسقاطه عبر انهاكه وذلك بمحاصرته سياسياً واقتصادياً ومحاولة التضييق عليه وإدانته عبر المنظمات والمنصات الدولية، والمثال على ذلك الحصار والعقوبات التي فرضتها أميركا على كل من كوباو كوريا الديمقراطية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ولاحقاً سورية، فعلى الرغم من مرور عدة عقود على بعض تلك العقوبات والتبدل الحاصل في البيئة الدولية وخرائطها السياسية وتناوب أكثر من عشرة رؤساء أميركيين على سدة البيت الأبيض إلا أن القاسم المشترك الأعظم بينهم هو استمرار تلك السياسات. بالمحصلة يمكننا القول إن الرهان على تغيير في السياسة الأميركية تجاه دول العالم التي تصنف في دائرة الأعداء أو الخصوم هو رهان فاشل ولا يمتلك أي درجة ولو ضئيلة من التحقق، ما دامت الولايات المتحدة الأميركية اللاعب الأبرز في المشهد الدولي وهنا يصبح الأمل في تغيير بنيوي أو جوهري في السياسة الخارجية الأميركية مرتبطاً بقدرة القوى الكبرى الناهضة أو تحالف دولي لقوى صاعدة تتكتل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بحيث تشكل ثقلاً حقيقياً وازناً وله استطالات على المستوى العالمي والإقليمي الأمل الوحيد في إحداث تبدل عميق في تلك السياسة وبالتالي في قواعد اللعبة الدولية. |
|