|
ثقافة
وفي قائمة التجارب الشعرية السورية النسوية ما يستحق الوقوف عنده بعد ان اختط ملامحه واشتد ساعده واستد ايضا وصارت التجربة ثرية تحمل مبضع النقد وان كان هذا المبضع في ايامنا هذه قد صار شلليا ومقصرا ولا معنى له لانه فقد الكثير من بريقه ومن جاذبيته المعرفية بفعل مايضخ به ادعياء النقد من مصطلحات يقتلون بها روحه وروح النص الذي يريدون قراءته. على كل حال لسنا بصدد النقد ولا تقديم دراسات نقدية فلذلك اهلوه واهل مكة ادرى بشعابها ان بقيت فيها ولها شعاب، لكننا هنا نشير الى محطات سريعة الى تجربة شعرية هامة وثرية وربما هكذا نظن انها لم تلق الاهتمام الجيد من المتابعة والنقد وهذه حال الكثير من التجارب الشعرية الحقيقة التي اغفلها النقد والنقاد. هيلانة عطا الله شاعرة سورية في جعبتها العديد من المجموعات الشعرية التي تقدم دفقة شعرية هامة ومتميزة تتنوع مابين قصيدة النثر والتفعيلة وتتحلى بالشعر العمودي مموسقة كل حرف فيها بدءا من قصيدة النثر مرورا بايقاع داخلي متميز في قصيدة التفعيلة الى حالة من الضياء في القصيدة الكلاسيكية، والكلاسيكية لا تعني هنا ابدا القديم او التقليد انما هي مصطلح للتمييز بين فنون الشعر، وبكل الاحوال فالحداثة موجودة في كل فنون وألوان الابداع جديداً أو قديماً، ولا تقتصر على لون من الوانه فمن منا لايقف مندهشا امام حداثة ابي تمام. مجموعات هيلانة عطا الله
بكاء كالجبال \ الصدق في الزمن الصعب \ رفة جناح. واذا ما توقفنا عند محطات في \ رفة جناح \ وبرفة جناح سريعة ايضا تيمنا بما في المجموعة من خفق حروف متميزة فاننا نقف على موضوعات شتى هي من نبض القلب والروح، ما بين الهم الذاتي والموضوعي والعام وهموم الوطن.
في عناوين القصائد ما يشي بشيء مما تتحفه في بساتينها لكنك ستفاجأ انك امام نص حقيقي حافل بالرموز والمعاني والدلالات التي تسحرك بجرسها وموسيقاها العذبة وبالقدرة على صوغ الالم ابداعا والتعبير عن ذلك بلغة شفافة هادئة توحي اكثر مما تعطيك من معانيها التي تدعك تسبح في بحر من الخيالات في قصيدة نجمة الصباح تقول: لماذا تختزن عيناك الملح.. ولماذا يثقل على قلبك الليل ياأيها الطيب ؟ متى كنت بركانا.. ومتى كان ينفر قوس قزح صرت تؤاخي الريح وتنام معانقا لهيب النار أنت يا صنوا لروحي الهائمة حين يحاصرها التعب تهرع على جناح يمامتك اليك يا حلمي الجميل أبدا انت على عمري رشقة نور.. نسيتها الشمس وغابت ولعلها تكثف الحالة اكثر في قصيدتها أنا مملكتك اذ تقول: القاك مئات المرات.. وفي كل لقاء تولد نجمة تلقي حزمة نور على ضفاف الكلمات القاك مئات المرات.. وفي كل لقاء يصحو الوهج الاول بلون جديد وعطر جديد.. حضورك كزخة المطر.. كالبشر يا حبيبي.. كالعيد المنتظر وللوطن المكان والحضارة والثقافة وجوده بل بوحه في كل ما تكتبه عطالله فكثيرا ما تجد نصوصا تحمل الاسم نفسه «وطن» ولهذا دلالته الجميلة اذا كان بامكان الشاعرة ان تغير الاسماء لكنه الوطن فكيف نغير اسمه ونمنحه اسماء اخرى قد لا تليق به تقول هيلانة عطالله في نص حمل عنوان الوطن: بقدر ما استطيع.. ويستطيع المطر.. وبقدر ما اتجذر ويتجذر السنديان.. هكذا عشقتك وهكذا اشرقت في مساحاتي وتدفقت في صحراء الزمن الصعب ينابيع امل لانك وحدك المعشوق الاول والاخر.. وتسألني لماذا ؟ اذا اسمح لي.. ان اخشع في محرابك.. انا اغيب في حنايك ثم افتح العينين لارى.. الذين سبقوني اليك يهتفون: الوطن غال والوطن عزيز واذا كانت الجبال تبكي من حروف انثى فلاشك ان بكاءها سيكون غير الزلزلة وسيكون له وقع الينابيع واشجار الحور والرمان وغيرها من بساتين الدنيا وشامتها بكاء الجبال وفي قصيدة تحمل عنوان: جنينا علينا تقدم رؤية ونبوءة وهي تقرأ خارطة الحال والمآسي وكانها تقدم ذلك من كتاب مفتوح مع انها قبل الحرب الكونية على سورية بسنوات تقول: ظلام سياتي.. قريبا قريبا.. ونحن بقايا انتظار.. وكومة حزن.. نراقب ذاك النزيل الغريبا.. سيحمل عاصف ريح.. رملا وملحا.. جحيما يهب هبوبا.. فعذرا يا حلم طفل.. وعذرا ايا دمع ام فإنا ضللنا الدروبا.. هتكنا ضياء الصباح.. وصلنا وجلنا.. وحين ارتمنينا بكينا النصيبا.. وكان لدينا سماء وماء ومرج وزهر يفوح ويهدي الطيوبا.. وكان لدينا بيادر قمح تفيض بحب وتمحو الذنوبا.. وكان وكان لدينا الكثير.. وتنتهي النبوءة الى الخلاصة: نعيش نقضي نحيبا.. فعذرا ايا حلم طفل.. وعذرا ايا دمع ام.. فانا ضللنا الدروبا.. هيلانة عطالله في مجموعاتها الثلاث تغرف من جرار الشعر ويضوع عبقه من بيادرها وان كانت هذه العجالة لا تفي بما لديها ولكنها اشارات سريعة لعل ناقدا ما يرى ما يراه في ابداعها ويقدمه برؤية مختلفة |
|