تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من ظرفاء دمشق (15).. نذير قدورة

ساخرة
الخميس 20-10-2011
نصر الدين البحرة

هناك أناس يهوون رواية النكتة، وهم بارعون في ذلك مثل د. عزت الطباع ورجا شربجي ونجاة قصاب حسن الذي كان يترجمها أحياناً عن الفرنسية التي يتقنها.

وثمة آخرون يخلقونها في مناسبة ما أو يلفقونها حول شخص ما، مثل عبده قطرميز وأحمد الجندي ويوسف الصيداوي وهناك من يبتكرونها من خلال المجادلة أو المماحكة والاستفزاز والتحدي، كما هو الحال لدى فخري البارودي وحسني تللو.‏

ولاشك عندي أن المحامي الأستاذ نذير قدورة - أطال الله عمره فهو من مواليد سنة 1932 وقد رافقته دهراً هو من الذين يصنعون النكتة على نحو قد لا يخطر في البال على الإطلاق.‏

مركبه رسا على شاطئ المحاماة‏

عمل نذير سنوات غير قليلة في تدريس مادة الرياضيات في سورية والمملكة العربية السعودية، ومادام قد اجتاز الإجازة في الحقوق، فإن مركبه غير القلق رسا على شاطئ المحاماة وخلال ذلك تولى منصب نقيب محاميي دمشق زهاء عشر سنوات أو يزيد.‏

نذير مع القوتلي في القيمرية‏

أقمت مع أسرتي في حي القيمرية بدمشق عشرة أعوام تقريباً وخلال ذلك كان الأستاذ نذير يسعدني بزياراته، وبين وقت وآخر كنا نتجول في سوق الحي حيث كان هناك نجار إفرنجي ربطتني به صداقة طيبة، ويدعى: أحمد القوتلي وقد قام تعارف ومزاح بينه وبين نذير.‏

وبعد مضي بعض الزمن انتقل عمل أحمد من الورشة التي تحتلها دكانه الصغيرة إلى مشفى كبير في محلة «طالع الفضة» على الشارع المستقيم امتداد مدحت باشا غير بعيد من باب شرقي.‏

الشاحنات والتكاسي.. في طالع الفضة‏

حصل الاستاذ نذير على أرقام الهاتف لبعض مكاتب التكسي وسيارات الشحن وطلب إليهم الحضور مع السيارة أو الشاحنة لنقل طقم كنبايات أو ايصال بعض الأشخاص إلى مشغل القوتلي - رحمه الله.‏

فوجئ هذا بوصول شاحنة تبعتها أخرى، لم يطلب أياً منها!! وبعد مجادلة وأخذ ورد مع السائقين انصرفا معاً بعد التي واللتيا فوجئ أحمد بمجيء سيارة التكسي..!!‏

هات الهاتف لنشوف‏

وما دمنا في حكاية مقالبه على الهاتف فإني أتذكر الآن ما جرى بينه وبين أستاذ عبد القادر القواص صاحب ورئيس تحرير جريدة «صوت العرب» وقد عملت معه عدة سنوات وكان في أواخر عام 1957 قد رشح نفسه للانتخابات البلدية وعرف نذير رقم هاتف منزله مني ولقد جاء معي إلى منزلي ذات ليلة في نهاية سهرة ليمارس هوايته الهاتفية حينذاك قال لي: هات الهاتف.. لنشوف.‏

تحالف: بعد منتصف الليل؟!‏

كانت الساعة قد قاربت الواحدة صباحاً ضرب رقم الأستاذ القواص فهب هذا من مرقده مذعوراً خير؟ ما الخبر.. في مثل هذا الوقت؟! انتحل نذير اسم أحد الرجال المشكوك في استوائهم النفسي «ب . خ» قائلاً: لقد رشحت نفسي مثلك إلى هذه الانتخابات وأريد عقد تحالف معك قال: الآن في هذا الوقت وأنت توقظني من وهلة نومي؟! قال: نعم.. نعم.. فنحن مستعجلون قال القواص: ألا انتظار حتى الصباح قال نذير: لا..لا.‏

وفعل مثل هذا مع بعض أصحاب الدكاكين في القيمرية ممن كان يحصل على أرقام هواتفهم.. مني..‏

وذات يوم اتصل صهري المرحوم المحامي سليمان سليمان، وكان الهاتف قرب نذير في بيتنا، فأنبه هذا واتهمه بالتحرش وحين عاود الاتصال كرر اتهامه فما كان منه إلا أن استقل سيارة تكسي، وجاء إلى بيتنا ليعرف جلية الأمر، فشاركه نذير العجب والاستغراب فيما كنت أكتم ضحكة.‏

في مجلس عزاء الصيداوي‏

حين توفي صديقنا عالم اللغة الأستاذ يوسف الصيداوي قام مجلس عزائه في منزله في ضاحية المزة ولقد جئت وقتها للقيام بواجب التعزية فوجدت بعض الأصدقاء سبقوني وجلسوا بجوار بعضهم: الأستاذ عبد القادر قدورة رئيس مجلس الشعب السابق، وشقيقه الأستاذ نذير، ومدرس الرياضيات الشهير عباس الصوص والمحامي محمود الصابوني، وهم جميعاً ممن خضعوا لعمليات قلب مفتوح فما إن دخلت حتى بادرني نذير قائلاً وهو ينظر إلى من كان بينهم: العمى نحن جميعاً خضعنا لعمليات القلب المفتوح وهذا يشير إلي كان ينبغي أن يعمل «قثطرة» على الأقل.‏

نذير.. و«أساتذة الانتظار»‏

مهما يكن من أمر فإن الأستاذ نذير كان يروي النكتة بين وقت وآخر، ولست أنسى نكتة «أساتذة الانتظار» التي رواها لنا عام 1966 في عطلة الصيف التي أتى من «مكة» ليمضيها في دمشق في تلك الأيام كان في بعض المعاهد هناك من يسمون أساتذة انتظار وهم مدرسون غير مؤهلين لكنهم يستخدمون في شغل بعض صفوف المدرسة في حال غياب أحد الأساتذة المفاجئ.‏

ذات يوم غاب أستاذ الأدب العربي، فرجا أحد هؤلاء مدير المدرسة أن يأذن له بشغل ذلك الصف وحين دخل سأل الطلاب عما لديهم فقالوا شرح قصيدة أبي العلاء المعري: «غير مجد في ملتي واعتقادي».‏

قال أستاذ الانتظار: هلا هاي.. أبو العلا الأمعري.. نعرفه زين.. وأقام أحد الطلاب ليكتب على السبورة:‏

غير مجد في ملتي واعتقادي‏

نوح باك ولا ترنم شادي‏

حين بكى سيدنا نوح‏

ثم راح يشرح البيت هكذا:‏

غير مجد، من الاستجداء أي الشحاذة وهذه باطلة في ملة الإسلام.‏

هوامش‏

- نوح .. سيدنا نوح عليه السلام.‏

- الشادي: القرد - وهو يدعى هكذا في بعض مناطق الجزيرة العربية - واستطرد يقول في شرح هذه الشطرة الثانية:‏

همن - عندما - القرد ترنم، سيدنا نوح عليه السلام.. بشي - بكي..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية