|
شؤون سياسية تقدما مريحا على منافسيه ومن بينهم مارتين أوبري سكرتيرة الحزب الاشتراكي الفرنسي (57% مقابل 43%). وكان الحزب الاشتراكي لجأ إلى طريقة غير معهودة لاختيار مرشحه في انتخابات تمهيدية على الطريقة الأميركية مفتوحة أمام جميع الناخبين الذين يتبنون قيم اليسار.و قالت مارتين أبري زعيمة الحزب الاشتراكي ، و ابنة جاك دولور رئيس المفوضية الأوروبية سابقا، ووزيرة العمل السابقة، إنها تمثل اليسار وجه هولاند الذي اتهمته بالانتماء إلى يسار«مائع»، وبأنه يستخدم «عبارات اليمين».وقد استفاد فرانسوا هولاند من غياب المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس-كان عن المنافسة داخل الحزب الاشتراكي الفرنسي بسبب فضائحهالجنسية، والذي كانت الاستطلاعات تفيد بأنه أفضل المرشحين وبفارق كبير.. ونجح فرانسوا هولاند الذي انطلق مبكرا في الحملة الانتخابية، في إقناع فرنسيي اليسار أن بإمكانه حشد «التجمع» ضد نيكولا ساركوزي في 2012 رغم افتقاره إلى الخبرة الحكومية .لكن فرنسوا هولاند الذي يجوب مختلف أرجاء فرنسا منذ أشهر لم يعبأ بذلك، وفي سن السابعة والخمسين وبعد أن تخلص من الكيلوجرامات الزائدة التي كلفته ، نعته بعبارة «فلامبيه» تيمناً بنوع من الحلوى بالكراميل يحبذها الأطفال، كان مصمما على المثابرة حتى النهاية. ومكنته مثابرته من اغتنام الثغرة التي تركها دومينيك ستروس-كان إثر اعتقاله في مايو في نيويورك وسرعان ما خلفه في موقع الأوفر حظا والذي لم يتخل عنه حتى فوزه في هذه الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية في مواجهة مارتين اوبري. وخلال الحملة الانتخابية كان فرانسوا هولاند يردّد أن واجبه هو «جمع الاشتراكيين ثم اليسار وأخيرا الفرنسيين» مقتديا بالرئيس السابق فرنسوا ميتران الذي كثيرا ما يقلده خلال مهرجاناته الانتخابية. بعد اختيار المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند لخوض معركة الانتخابات الفرنسية في نيسان-أيار 2012، تعهد «بأن يعيد إلى الحلم الفرنسي سحره»، فيما ركز اليمين في انتقاده على قلة خبرته وغموض مواقفه. وأعلن فرنسوا هولاند أنه تلقى «تفويضا حازما لتحقيق الفوز لليسار».وقال مخاطبا الناشطين في المقر الباريسي للحزب الاشتراكي «تلقيت هذا المساء من قسم منكم، تفويضا حازما لتحقيق الفوز لليسار. سوف أكرس من أجل ذلك كل قواي وكل طاقاتي».وتابع «هذا النصر يعطيني القوة والشرعية للتحضير للقاء الانتخابات الرئاسية الكبير.. لم يعد الفرنسيون يحتملون سياسة (الرئيس) نيكولا ساركوزي»، مؤكداً «سوف ننتصر».وقال «أريد أن أقدم لشباب فرنسا حياة أفضل من حياتنا: أريد أن أعيد إلى الحلم الفرنسي سحره» مؤكداً أنه سيكون «مرشح الاحترام والحوار والديمقراطية الذي سيعطي وجها آخر لرئاسة الجمهورية». ولد فرانسوا هولاندفي 12 آب 1956في منطقة السان ماريتيم.والده جورج هولاند طبيب الأنف والحنجرة، والدته تريبير مرشدة اجتماعية. حصل فرانسوا هولاند على إجازة في الحقوق من جامعة باريس، ثم التحق بمدرسة الدراسات التجارية العليا، فالمدرسة العليا للإدارة «الإينا» الشهيرة التي تخرج كوادر الدولة الفرنسية من رؤساء وزراء، وتخرج سابعاً في دفعة فولتير. فرانسوا هولاند الذي استلم قيادة الحزب الاشتراكي في 27 نوفمبر 1997، لم يصبح الرجل القوي إلا بعد انتخابات 21 أبريل2002. و رغم أنه معروف بذكائه ، و حسه التكتيكي ، وتقمصه الوجداني، فإن سكرتير الحزب الاشتراكي لم يكن قائدا لتيار محدد. بل على العكس من ذلك ، استمد سلطته من خلال قدرته على إقامة التسويات بين التيارات المتنازعة ، والمتوقع في حجرالزاوية للحزب الاشتراكي ، نقطة التوازن المفضلة له. و على نقيض أسلافه، ميشال روكار، و لوران فابيوس ، أو ليونيل جوسبان، أزال فرانسوا هولاند الطابع الايديولوجي للحزب الاشتراكي.فقد فرض فرانسوا هولاند نفسه كرجل إجماع ، لا كرجل داعية للأفكارفي الوقت الذي أصبحت فيه المصاعب التي تواجه الاشتراكية الديمقراطية في ظل العولمة المالية الليبرالية تتطلب تجديد الفكر الاشتراكي لليسار الفرنسي. فالأزمة الدائمة حول تحوّلات اليسار، وتوجّهه اليميني المرتبط بال «قيود الأوروبية»، والتغيّر العميق في سوسيولوجية اليسار الانتخابية، لا يمكن فصلها عن الممارسة المَلَكية للسلطة. وهذا ما كان قد حوّل الحزب الاشتراكي إلى مسرحٍ للظلّ تكثر فيه المواجهات بين الأشخاص أكثر منها حول السياسات .كما بات مناضلو هذا الحزب الاشتراكي أقرب إلى مناصري الحظيرة الرئاسية لفرانسوا ميتران ،إن لم يكن إلى سقّائين في آخر عمليات التحكيم بين القرارات التي تبتّ بها السلطة التنفيذية .هكذا يقول ميشال روكار: «سرعان ما أدركتُ أن هذه الجملة من ميتران تصف الواقع بدقّة: أنّه لا وجود للحزب الاشتراكي، هناك فقط أصدقاءٌ لفرانسوا ميتران». وهذا الأخير كان «غريباً عن أيّ مفهومٍ لتشكيلةٍ سياسيّة، أو أي مفهومٍ للحزب؛ (...) فهو لا يسعى أبداً لمشاركة أحد في قراراته». ولطالما سعى اليسار إلى تسريع التغيير الاجتماعي عن طريق التعبير عن أولويات «الجماهير الكادحة»، وتعبئتها سياسياً ضد الرأسمالية. وكان عليه، في هذه الحال، إرساء تحالفات - مع الفلاّحين والعمّال المستقلّين ، ومع المهندسين والكوادر لاحقاً - لكن مع الإمساك بالمقوَد. لكنّه، منذ قرابة الثلاثين عاماً، انقلب توجّه العديد من الأحزاب الاشتراكية أو العمّالية، إذ فضّلت «الطبقات الوسطى» على الفئات الشعبية. وخير دليلٍ على ذلك إعادة تموضع «اليسار الليبرالي »في أميركا، و«العمّاليين الجدد» في بريطانيا، في إطار الدفاع عن العوامة الليبرالية،مثلهم في ذلك مثل غالبية الاشتراكيين-الديمقراطيين الأوروبيين. رغم أن مارتين أوبري زعيمة الحزب الاشتراكي تتهم فرانسوا هولاند بأنه يمثل «يساراً رخوا»، فإنه وحده القادر على هزيمة نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، ولا سيما بعد توقيع جميع مرشحي الحزب الاشتراكي في الانتخابات التمهيدية ، البرنامج المشترك، الذي يتضمن التوجهات الرئيسية، مثل مصرف عام للاستثمار و سندات اليورو والفصل بين النشاطات المصرفية للودائع و الاستثمار، و الضمان الاجتماعي المهني، و تكييف الضريبة،على الشركات بحسب استخدامها للأرباح وكان فرانسوا هولاند ركز في برنامجه على الإصلاح الضريبي، وتوظيف 60 ألف مدرس لتعويض المناصب التي ألغيت في سنة 2007، و«عقود الأجيال». وذهب إلى حد الوعد بتحقيق توازن في الموازنة في نهاية الولاية الرئاسية بحلول سنة 2017. وبالنسبة للمصارف، يرى انه حان الوقت إلى «أن تعيد التركيز على تمويل الاقتصاد»، أو أن «توضع تلك التي تطلب مشاركة الدولة في إشراف جزئي للدولة». لن يستطيع فرانسوا هولاند هزيمة ساركوزي في الانتخابات المقبلة، إلا إذا جسد في العمق القطيعة مع اليمين الليبرالي حول السياسة الاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما أن سياسة معظم الاشتراكيين الفرنسيين الذين وصلوا إلى السلطة طبقوا ليبرالية «اليسار» الاقتصادية المستندة إلى أبويّةٍ قمعيةٍ مستقاة من السجّل الإيديولوجي لليمين. فهل يكسر فرانسوا هولاند هذا «التلاقي» بين الاشتراكيين واليمين في السياسات الاقتصادية والاجتماعية؛ مع أن الليبرالية، في نظر فرانسوا هولاند المرشح الحالي للانتخابات الرئاسية المقبلة ، «لا تحظى بموافقة الأكثريّة في فرنسا». وهذا ما يفسّر بعض الأحكام الرئاسية: ليس هناك أسوأ من الاشتراكيين الذين يحلَمون بشهادات حسن سلوك في الاقتصاد يمنَحُها إليهم رجال اليمين. هؤلاء ينتهي بهم الأمر إلى نسيان أنهم يساريّون(...).وكان السيد فرانسوا هولاند، قد أطلق الإنذار قائلاً: «إن لم يُنزع الطابع القدسيّ عن وظيفة الرئيس، فلن يمكننا استعادة الوظيفة الديمقراطية». وكان ميتران قد كرّر في الماضي هذا الخطاب قبل أن تتفتّح لديه عظمة الدور الرئاسي بأبهى صورها. |
|