|
فضاءات ثقافية
- يأتي حضورك إلى ألمانيا للمشاركة في أمسية حول روايتك المترجمة للألمانية «ورم»، فما هو شعورك وأنت تستمع إلى كلماتها بلغة أخرى وفي عالم آخر؟ -- شعوري هو شعور إنسان يستطيع أن يرى رسالته وهي تدب على قدمين وتتواصل مع الآخر، مع ثقافة الآخر. أن نسمع صوتنا بلغة أخرى هو بحد ذاته ثراء. هذا يعني أننا نستعير بهذا الصوت هوية أخرى، وهذا بحد ذاته ثراء وفوز بكنوز. - كيف وقع الاختيار على رواية الورم لتكون هي من بين أعمالك التي تنقل إلى الألمانية؟ هل تم التشاور معك مسبقا؟ -- بطبيعة الحال التشاور دائماً موجود لكن الكلمة الأخيرة ترجع إلى دور النشر ولمستشاريها في اللغة العربية. ودور النشر لاتنشر الأدب لأنه مجرد أدب جيد، لكنها تنشره بمقاييس السوق أيضاً. بمعنى أن السياسة تلقي بظلها الثقيل دائماً حتى على الحياة الثقافية، أو على الآداب الجادة، وهذه مأساة في الواقع. فدور النشر في العالم لا تلتفت لأدب لم يمس بشكل أو بآخر عصب الحياة الدنيوية المعاصرة والآنية، أقصد الأحداث السياسية، وهذه كارثة في الثقافة المعاصرة. من هنا نجد شيئاً مبتذلاً اسمه الكتاب الأكثر مبيعاً أو البست سيللر، وهناك كتاب الأدب الجاد الذي يبقى للتاريخ، لا يُقرأ في وقته، لكنه يقرأ بعد مرور الزمان، أقصد أن قدر الأدب الجاد هو الاغتراب عن زمنه. - العنوان الذي اختير للترجمة هو Herrscherkleid أي ثوب الحاكم، فهل يعكس فعلاً ماأردت قوله في هذه الرواية؟ -- اختيار هذا العنوان يعكس عمل دور النشر، هذا حدث بدون مشورتي، هذا عنوان مباشر. العنوان الأصلي هو الورم، الورم بهويته الخبيثة، لأن السلطة في كل الثقافات وفي كل الديانات وفي كل المعتقدات منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم هي ورم، ورم لأنها خطيئة، والخطيئة، كما نعلم، عمل لا أخلاقي، لذلك فإن ثمنها دائماً باهظ. وفي الحقيقة كان لي دائماً مشكلة مع دور النشر في أوروبا، لأنها تحاول أن تختار عنواناً للتسويق وليس عنواناً استعارياً. فالأدب هو لغة استعارة، رموز، وإخضاعه لمقاييس السوق هو ابتذال له وحط من شأنه. لقد قلت لهم مراراً إن كلمة ورم أو مبدأ الورمية هو لغز العالم، والناس تبحث عن الألغاز تبحث عن كتاب يفسر لهم أخطر لغز يهدد الحياة البشرية. - ماهي الفكرة الرئيسية التي دفعتك في الأصل لتأليف رواية الورم بالذات؟ -- نحن أمة تتعامل بالاستعارات، نحن لا نتعامل مع الواقع كواقع، إنما نتعامل مع ظلال الواقع، مع روح الواقع، هذه هي قوانين الأدب منذ خُلق الأدب. هذا يعني أننا عندما نكتب عن الطغيان يجب أن نكتب عنه بروح الأدب، التي هي روح استعارية وليس استعارة الخطاب السياسي المباشر، كما يفعل الكثيرون. هذا هو الفرق بين الأدب الحقيقي وبين أدب السلعة. هذه الرواية التي كتبت منذ أربع أو خمس سنوات اعُتبرت في أوروبا الناطقة بالألمانية نبوءة لما يحدث الآن في العالم العربي. - هل هذه الرؤية موجهة إلى الحكام بالذات أم تقصد الإنسان بشكل عام؟ -- هي ذات معنى أشمل، هي تعبير عن الطغيان، ولها علاقة أيضاً بطبيعة السلطة اللئيمة التي تستحوذ على الإنسان، على روح الإنسان، فيتماهى معها الإنسان ويصبح أداة بيدها هي وليس العكس. السلطة تنين مخيف، رهيب، ومارد في غاية الجبروت، يجب معاملتها كعدو، بمعنى أن لها طبيعة لئيمة بحيث أنها تستطيع أن تزًور حتى أقدس القديسين فيما إذا ارتضى وقبلها. هذا يعني أنها لاتنطبق على الطغاة فحسب، بل على كل مريد سلطة لأنها هي بطبيعتها لاأخلاقية، بطبيعتها هي خطيئة، لأنها محاولة الاستحواذ على العالم. ومحاولة الاستحواذ على العالم لعنة لا تختلف عن لعنة الطرد من الفردوس. - أسماء الأبطال غريبة عجيبة أساروف، أساني، إيدينان، أسان، إيزير، فما هو سر اختيارك لمثل هذه الأسماء؟ -- أنا إنسان أحمل هوية الأمازيغ، هوية الطوارق، وهذه كلمات أمازيغية، ولها كلها معان. أساروف معناها الغفران، وأساني معناها الكافر وهو بطل الرواية، وإيسان يعني العارف، إيدينان اسم جبل مسكون بالجن في أساطير الطوارق في قلب الصحراء الكبرى، إيزير بمعنى السند أو القوة. كلها أسماء ذات معان دينية ورمزية عميقة. لقد كتبت عن لغة الطوارق وعن تأثيرها في العالم سبعة مجلدات صدرت قبل اثني عشر عاماً. - هل يخطط الكوني لرواية جديدة عن التحولات التي تشهدها ليبيا والمنطقة العربية بشكل عام؟ -- صدرت لي منذ أيام رواية جديدة في دبي. وهي الرواية الأخيرة من ست روايات عن تاريخ ليبيا خلال 125 سنة. وما أشبه الليلة بالبارحة. ما حصل في ذلك التاريخ هو الذي يحصل في ليبيا اليوم. التاريخ يعيد نفسه، وهذا ما قلته في المقدمة وفي الإهداء. |
|