تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عن الفنان الراحل لؤي كيالي...تعقيباً على مقالة عادل أبو شنب

ثقافة
الأحد 23-10-2011
فاضل السباعي

نشرت جريدة «الثورة» في عدد الثلاثاء الحادي عشر من تشرين الأول 2011، مقالة لعادل أبوشنب بعنوان «33 سنة على رحيل المبدع لؤي كيالي، عاش 48 سنة

وترك ثروة تشكيلية لا تقدّر بثمن». ومع ما خطّته أنامل الصديق العزيز عادل أبو شنب ممّا يؤكّد مدى إعجابه بالفنان الراحل، فإني لاحظت، عبر العاطفة النبيلة التي أغدقها عادل على لؤي، معلوماتٍ انزاحت عن الصواب قليلاُ، فوجب البيان والتصحيح.‏

جاء في المقالة أنّ لؤي «عاش 48 سنة»، والصحيح أربعا وأربعين (1934-1978)، وهما الرقمان اللذان ذكرهما عادل في موضعٍ من مقالته.‏

أيامه الذهبية‏

ويقول: إنّ لؤي أخذ «يرسم البورتريه، ويتقصّد أن يخلق في رسومه بعض التشويه... ومن وهج هذا القبح والتشويه كان يعبّر عن انحيازه إلى الطبقات الشعبية». وفي هذا يمكنني القول إنّ الوجوه التي رسمها لؤي لم تكن مشوّهة ولا قبيحة، بل وديعة وأليفة ينفذ جمالها إلى القلوب، بالحزن الذي تشفّ عنه العيون والوجوه والحركة...حتى تلك الوجوه التي لاحت لنا قاسيةً في لوحته «الإنسان في الساح»، فإنّ المتلقّي يدرك أنّ العناد والقسوة فيها مردّهما إلى موقف الدفاع عن النفس والحياة والحقّ. وإذا أردنا الحديث عن »التشويه« في الشكل فإنّ لهذا مذهبًا في الفنّ أتقنه الفنان سعد يكن.‏

ولم يكن ما ألمّ بلؤي من مرض نفسي (في أيامه الذهبية الأولى 1961-1967) هو الهواجس والسوداوية (وإن كانت هذه من عوارض المرض)، بل هو «الفُصام» (الشيزوفرينيا) الذي ينتاب فيمن ينتاب الفنانين التشكيليين أحيانا، بسبب فرط الحساسيّة والشفافيّة.‏

كما أنه لم يكن لنكسة حزيران 1967 أثرٌ في محنته. ذلك أنّ ما تبدّى فيه من عوارض المرض كان قد بدأ في الظهور صيف 1966، عاينت ذلك بنفسي. وأشير هنا إلى أنّ فتاةً قد أُولع بها لؤي وتعاهدا على الزواج (هي ابنةٌ لسفيرٍ في إحدى العواصم الأوروبية)، كانت تكتب يومياتها معه أولاً بأول (ونصُّها في حوزتي، أعمل على نشره بإذنٍ منها، ونسخةٌ منه عند أستاذة التربية عفاف لطف الله تكتب تعليقًا عليه)، وفي تلك اليوميات تتّضح للفتاة وللقارئ، مراحلُ المرض الذي كان يتفاقم عند لؤي يوماً بعد يوم خلال شهر أيلول من العام 1966 خاصة. أقول: وفي ظلّ هذه الحالة النفسية أنجز لوحاته «الإنسان في الساح» (1966)، وكلّ لوحات معرضه «في سبيل القضية»، الثلاثين التي نفّذها بالفحم، وقدّمها في معرضه السابع في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة ابتداءً من 24 نيسان 1967، أي قُبيل «النكسة»، حين كانت «النكسة المرضية» قد تمكّنت منه... وإذن، فلا تأثير في لؤي لنكسة حزيران ولا لحرب تشرين 1973.‏

هذا إلى أنّ لؤي، الذي انقطع عن التدريس بكلية الفنون الجميلة، قد اصطحبه بعض أهله للمعالجة خارج القطر، وقد تماثل للشفاء، وعاد في العام الدراسي 1969-1970 إلى التدريس في الكلية، تبدو عليه العافية وإن تأخّرت عودته إلى ممارسة الرسم مدةً. ولما أُحيل على التقاعد (في السادس من شباط 1971)، أقام في مسقط رأسه حلب، في بيت عمّاته الحنونات، متابعًا الرسم ومنجزًا أعظم اللوحات.‏

أيامه الذهبية الثانية‏

أقول أعظم الأعمال، تلك التي قُدِّر لها أن تدخل تاريخ الفنّ التشكيلي من أوسع أبوابه: لوحته الشهيرة «من وحي أرواد» (400 في 125 سم، ربيع 1976)، التي كان يتابع رسمها في رحاب المتحف الوطني بحلب ولحساب هذا المتحف، فلما أنجزها أوعز المدير العام للمتاحف والآثار، عفيف بهنسي، بأن تُنقل اللوحة -على ضخامتها- إلى دمشق بحجّة الاطلاع عليها لتقدير ثمنها، وفي العاصمة استأثر بها متحف دمشق، مع تكليف لؤي رسمَ أخرى تضارعها روعةً وضخامة، فأنجز لهم لوحة «من الريف» (300 في 180 سم، ربيع 1977).‏

مع إشارةٍ تُُمليها الذكرى والتذكّر، إلى معرضه الحادي عشر، الذي أقامه في الأول من حزيران 1976 في «صالة الشعب» بدمشق، مقدِّماً فيه خمسةً وأربعين عملاً، كانت كلّها مقتناةً من محبّي فنّ لؤي قبل يوم الافتتاح، وذلك ما حزّ في نفوس روّاد المعرض، فعتبوا (ولهم الحقّ). نذكر هذا للتاريخ... أقول: ذلك فيما سمّيناه «أيامه الذهبية الثانية» (1973-1977).‏

ولؤي لم تحرقه سيكارة وهو مستغرقٌ في نومه، كما أسرعت أخته الصغرى ش«غالية» بحلب تعلن على الملأ (وإنّ لذلك حديثاً آخر). وكان الاحتراق ليلة 9/10 من أيلول 1978، والوفاة كانت يوم الثلاثاء السادس والعشرين من كانون الأول من العام ذاته في المستشفى العسكري بحرستا. وكان العماد مصطفي طلاس قد تلطّف بأن أوعز بنقله مريضاً من حلب إلى دمشق بطائرة مروحية.‏

وأخيرًا: في حرص محبّي الفنون الجميلة على اقتناء اللوحات الجميلة، لم أسمع أنّ لوحةٌ من لوحات لؤي بيعت بمليوني دولار (وهو ثمن «فيلا» في يَعْفُور)، بل بيعت مؤخراً لوحةٌ له، هي «مرمّم الشِّباك»، بخمسة ملايين ليرة سورية (ثمن شقّة في قُدْسَيّا)!‏

وممّا يجدر ذكره أنّ ما كُتب عن لؤي عُقَيب وفاته من مقالات في الصحافة السورية، لم يسبق له مثيلٌ، كماً وعاطفةً، في رثاء فنانٍ أو كاتب لامن قبل ولا من بعد، وأذكر أنّ الصحفي جان ألكسان أشار عليّ يومذاك بأن أجمعها في كتاب يجيء فريداً، ولكنّ الله ما قدَّر.‏

لؤي.. ومورِّثات الفنّ‏

وليسمح لي القراء الأعزاء بأن أسترسل فأتحدث عن أمر بالغ الخصوصية في حياة لؤي وفي حياتي.‏

لؤي لم يتزوج، ومن ثَمّ لم يُنجب فنانًا أو فنانة! ولكنّ «المورِّثات» (الجينات) الفنية تأتّى لها أن تظهر عند إحدى شقيقاته، التي إن كانت قاربت الفنّ التشكيلي ولم تكد، فإنّ بزرة الفنّ ظهرت في بناتها الثلاث وفي أبنائهنّ: فإنّ الكبرى «سوزان» مالت إلى تصميم الأزياء (فساتين العرائس) إلى جانب تدريسها اللغة الفرنسية في المعاهد، وابنتها «ديما سعود» تخرّجت في كلية الفنون الجميلة ولم تهمل الرسم حيث تقيم في فلوريدا الأمريكية.‏

والبنت الثانية «سهير السباعي»، التي واظبت على دراسة الفن في لوس أنجلوس حتى مرحلة الدكتوراه، تمارس الرسم بالزيت، وقد أقامت معارض لها هنالك وفي باريس وفي الوطن والخليج.‏

وكذلك شقيقتها «خلود السباعي»، التي تُضاهيها في الرسم بالزيت وفي إقامة المعارض هنا وهناك، وقد اهتمّ ابناها بالفنّ التشكيلي: ف «نبيه هنانو» طالب بكلية الفنون الجميلة، وشقيقه «ماجد» خريج ال«إسمود» لتصميم الأزياء، يمارس مع أخيه وأمِّهما الرسم بالزيت، وقد زاوج ماجد بين ذلك وبين الرسم للأطفال باستخدام الكمبيوتر، وآخر ما أنجز خمس عشرة لوحة لقصةٍ للأطفال ألّفها جدُّه بعنوان: «أغنيات زهر الهوا» نشرت في ملحق مجلة «العربي الصغير» آخر العام 2010.‏

هذا ما أزعم أني نلتُه من مورِّثات الفنّ من لؤي كيالي، فقد فضّلتْ ذريّتي كلُّها تغميس الريشة بالألوان على غمس الأنامل بحبر الكتابة. وتفسر الأمر عندي أنّ يد الإنسان كانت أسرع إلى الرسم على جدران الكهوف، فالرسم أَعلَقُ بالنفس وأقرب إلى الفطرة، لذا سبق التعبيرَ بالكتابة، مثلما سبقت التراتيلُ الدينية الغناءَ في أشكاله المتطوّرة.‏

وعذراً للصديق عادل أبو شنب لما أكون قد أسرفت من شرح وتصحيح، فإنّ ما يكتبه أديبٌ صحفي كبير هو عادل أبو شنب، في جريدةٍ مقروءة مشهورة هي «الثورة»، يُتَوقّع أن يتّخذه الدارسون في المستقبل مرجعاً لهم فيما يكتبونه عن فنان سورية الراحل لؤي كيالي... لذا وجب الإفصاح.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية