تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قدسية القانون

آراء
الخميس 27 -10-2011
الشيخ حسن حيدر الحكيم

زارني خالي البروفسور عبد اللطيف الذي أمضى سنوات عمره بين سويسرا وألمانيا وقد عقدت العزم على إقناعه ليمضي بقية عمره في بلده الأم وقد حمل في زيارته نزيف الغربة وطعمها المر..

ولكن في اليوم الذي نزلنا فيه للأسواق وقابل عدداً من التجار واطلع على كيفية البيع والشراء أتته الدهشة وباغتته المفاهيم التي لا تزال تعرقل نمو وتطور هذه البلاد.. وقال عندما شاهد أحد الباعة في السوق يبيع كيلو من الحلوى بسعر نصف غرام من الذهب ومع ذلك يضع فوقه كميات من القطر (أي الماء والسكر) بنسبة تتجاوز ربع الوزن وبنفس السعر والمشتري لا حيلة له وعندما توجه له بالسؤال لمَ تسكت عن الغش بهذه الطريقة ولا تشتكي عليه؟! كان الجواب أن مجتمعنا العربي لايزال يعتبر الشكوى على من يخالف القوانين والأنظمة خسة ودناءة ولؤماً.. وبائع آخر يرمي التفاح ويصرخ بوجه صديقي الشاعر لأنه اعترض على تزييف البائع للبضاعة فهو يعرض الجميل ويدس في الكيس الذي لا يصلح للأكل بل كاد أن يهب التاجر في وجه صديقي ليضربه لولا تدخل المارة.. ولا يشتكي؟!! فالشكوى تنقص من قدره أمام الناس؟! واللص عندما يسرق والخسيس عندما يتهجم أو يتحرش بفتاة آمنة يختفي بين الناس ولا أحد يمسك به ولا يخبر من عرفه عنه لأن القناعة السائدة أنه لا يفعل ذلك غير الجواسيس والأدنياء؟!!..‏‏

قال لي خالي الأكاديمي الذي يدرس في جامعات أوروبا: (هذه مشكلة خطيرة تجعل المجتمع العربي يراوح مكانه ولا يتطور فهذا المجتمع مادام لا يعتبر القانون ضميره الذي يحمي حقوقه ومصالحه ولا يعلم أن القانون وضع وشرع لمصلحته وأن المجتمع الذي لا يتوجه لحكومة القانون بشكواه على الغش والزور والخيانة والباطل معتبراً ذلك دناءة وخسة وإنما يرسخ الظلم والبشاعة وهو مجتمع يعيش انشقاقاً خطيراً في ضميره وحقيقة إيمانه بالحق والعدل) فقلت في نفسي إني أعرف أناساً يفتخرون بأنهم تستروا على لص أو مجرم أو مرتكب ويعتبرون ذلك شرفاً لايطاوله شرف!!.‏‏

إن انقسام ضميرنا نتيجة ثقافة أرستها طبقة من المستفيدين من قواعد لعبة الزور والثراء السريع والاستفراد بالمواطن الذي يأكله تسرعه في التحصل على حاجاته ينعكس لا محالة على طريقة تعامل الناس مع الجهة الحكومية الوصائية وتعامل هذه الجهة الحكومية الوصائية مع الناس ويصبح عنوان التعاطي مع الفساد والفاسدين هو مايردده العامة (يا فرعون من فرعنك؟ فأجاب: لم أجد من يمنعني من الفرعنة) نعم فضميرنا نحن المواطنين منقسم وتائه وأحياناً كثيرة في معايير لم تجد من يصلحها لا في البيت ولا في المدرسة ولا حتى في دور العبادة.‏‏

ومن هنا أوجه ندائي لكل مواطن إن أخبار الحكومة عن الذين لا ينصاعون للقانون الذي يصون حقوقنا هو واجب وطني وفيه كل معاني الشرف والإحساس بالمسؤولية وهؤلاء المخالفون ومن يقف وراءهم في ترويج فكرة أن المشتكي على من يظلمه أو يبخسه حقوقه خسيس ولئيم وأن من يشتكي على من يهدده ويخرب له وطنه ويقتل له جاره أو قريبه (داسوس) هؤلاء أناس بلغت بهم أنانيتهم إلى حد إفساد البلد وهم أنفسهم الذين يدربون بعض العناصر المكلفة من قبل الجهات الوصائية بحماية حقوق المواطن نعم هم الذين يدربونهم على الفساد فعندما يسقط المواطن وحقه من حساب المخالف يبقى على هذا المخالف ترتيب الوضع مع الموظف الذي كلف متابعته..‏‏

وبشكل أبسط يصبح الموظف الحكومي والمخالف طرفي الفساد عندما يسقط المواطن المتنازل عن حقه من المعادلة.‏‏

ومن هنا تأتي قدسية القانون الذي جعل المواطن مسؤولاً.. نعم إن أكبر مسؤول هو المواطن عندما يدرك قدسية القانون الذي يشكل ضميره وضمير الأمة التي تحرص الحكومة على حراسته.. نعم معادلة الحرب على الفساد تبدأ من هنا ونقطة على السطر.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية