تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجامعة وعروبة السياسة

شؤون سياسية
الخميس 27 -10-2011
بقلم الدكتور فايز عز الدين

الجامعة العربية المؤسسة التوحيدية للعرب من حيث المبدأ، والطموح رغم ما اختلف في أمرها منذ لحظة الإعلان عن تأسيسها في العام 1945، أي بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها،

وسقط نظام المستعمرات وشرع العالم يدخل نظام القطبية الثنائية الدولي، وبدأت معاهدة سايكس بيكو بالتطبيق على أرض العرب انطلاقاً بإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية وتشكل الأقطار العربية بدستورية محددة أهم مقوماتها أن لا تؤدي في نهاية المطاف إلى الوصول إلى الدولة العربية الواحدة، دولة الأمة فالعرب منذ توقيع معاهد سايكس بيكو بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقد كانت في غضونها حينما وقّعت عام 1916 في مدينة سانت بطرس برغ تدعى باسمها، وعندما افتضح أمر المعاهدة المذكورة بعد قيام الثورة الشيوعية في روسيا القيصرية 1917 قام الحلفاء بتغيير اسمها من معاهدة بطرس برغ إلى سايكس بيكو وقد أوهموا العرب أن شيئاً ما قد تبدل ولكن لم يتبدل سوى الاسم وبقيت أهداف الغرب الاستعماري بأن لا يسمح للعرب باستعادة وحدتهم بعد تحررهم من العثمانيين، ومن المعلوم أن الثورة الشيوعية في 7/10/1917 ما إن قامت وكشفت عن أسرار خزائن قيصر روسيا ومنها المعاهدة المستهدفة تقسيم أرض العرب على دول الانتداب (فرنسا وبريطانيا) حتى استعجل الصهاينة وعد بلفور، فأعلن في 2/11/1917 أي قبل مضي شهر على قيام الثورة المذكورة.‏

وطيلة فترة ما بين الحربين العالميتين 1918 - 1939 والدول المنتدبة رغم حروب الاستقلال ضدها كانت تهتم في كل الظروف بخلق الشروط المناسبة على المستوى العربي لكي يتم احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية وما انتهى العام 1945 حتى انتهت الحرب العالمية الثانية وانتهت معها عصبة الأمم لتؤسس بديلا عنها الأمم المتحدة ثم لتؤسس الجامعة العربية بمساعٍ من بريطانيا، وتحت أهداف تشير إلى أن هذه الجامعة ستمثل بيت العرب ومؤسسة القرار العربي في قضايا الوجود العربي، والمصير المشترك لجميع أقطار العروبة، ومنذ ظهورها عقدت أول مؤتمر قمة للقادة العرب في أنشاص في مصر، وتوصل القادة إلى قرار بأن المجموعة العربية تتحسس ما يحدث على العرب من مؤامرة وعد بلفور ولن تسمح باحتلال فلسطين وإقامة كيان صهيوني في قلب العروبة.‏

ومع الأسف لم تعمل الجامعة بأي جهد يذكر لتدفع عن فلسطين خطورة المهاجرين اليهود إلى مئة ألف عام 1947 ولم تعد الجيش العربي الذي سمي جيش الإنقاذ إعداداً بمستوى منع احتلال فلسطين، ولم يجتمع مؤتمر القمة العربي خلال حرب النكبة بل اجتمع القادة العرب بعد مضي عشر سنوات في بيروت لكي يدينوا العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ومن المعروف أنه منذ قيام الجامعة ظهرت بعض الآراء السياسية لتقول: إن الجامعة أقيمت حتى تكون البديل عن الوحدة العربية والبعض الآخر قال: أقيمت كي تنسف قرار الشعب العربي في المطالبة بالوحدة والسيادة والاستقلال عن كافة أشكال الاستعمار الجديدة ومظاهره.‏

ولو تأملنا تاريخ الجامعة العربية - عبر اجتماعات المندوبين الدائمين، أو الوزراء، أو القادة العرب - لرأينا أن ضرورات العمل العربي المشترك تُطرح نظرياً، وتوقف جميع القرارات المتخذة عن التنفيذ، ومن المطلوب دوماً أن تكون الجامعة في مستوى التحديات التي تواجهها الأمة، لكن في الواقع كانت ترى خارج الطموح الشعبي منها ومع أنها أهم مكون في النظام العربي بقيت مرهونة القرار للذين ينفذون الأجندة الامبريالية في النظام العربي، ومع أنها في ميثاقها قد تقرر ألّا تتدخل في الشؤون الداخلية للأقطار العربية لكنها دفعت لكي تتدخل على أيدي الذين لا همّ لهم في عروبة السياسة بمقدار ما همهم في تحقيق إرادة الأسياد الغربيين، مرجعيات سايكس بيكو.‏

والحكم التاريخي على الجامعة بأنها مؤسسة عربية ضعيفة ولم تجد من يضخ لها القوة حتى قيل: قوتها في قوة أعضائها وضعفها من ضعفهم.. ومن غريب الحال أنها كانت قد ساهمت في تاريخها بالصمت على العدوانات الصهيونية على العرب، وسمحت باحتلال الأقطار العربية وآخر ما تلوثت يدها به هو دم شعبنا الليبي.‏

ومع كل ما حدث في غزة من حصار لم تتحرك الجامعة كما يجب وكل ما حصل ويحصل من تهويد القدس لم تتحرك كما يجب لكنها تحركت بالقوة والسرعة ضد ليبيا، وتتحرك بالسرعة ذاتها ضد سورية.‏

وإذا كانت العروبة في السياسة السورية تفتح القلب لأي مبادرة عربية كريمة للمساعدة، ومن المقبول أن يتعاون العرب - عبر الجامعة ومؤسساتها- على مواجهة التحديات، وحل ما يعترض القطر المعين من أزمات، لكن المطلوب دوماً هو أن يشعر كل قطر معني بأن جامعة الأمة عربية السياسة وقومية المبادئ، أما حين يكون التحرك بما يتناسب مع استهدافات المشاريع الغربية الاستعمارية والصهيونية ولاسيما حين تكون ذريعة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في القطر العربي أكثر أهمية مما يحدث من تهويد لأرض فلسطين، وللقدس، وأكثر أهمية من نهج المقاومة العربية ستكون النتيجة أن الجامعة لا تعمل بعروبة السياسة بل تعمل كضد تاريخي لها، وإذا كانت الجامعة في هكذا سياسة فكيف نسميها: الجامعة العربية؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية