تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العقاب والطفل

مجتمع
السبت 29 -10-2011
 وائل المولى

العقاب ضرباً كان أو تلفظاً أو حرمانا ؛ لا يخلو من الأثر النفسي على المُعاقِب والمُعَاقب ، منها الإحساس بالحقارة أو الشعور بالذنب المؤذي أو تعدي غير مقصود أو الحصول على نتيجة عكسية غير متوقعة كفقد الاحترام بين أحدهم للآخر،

وقد يتفاقم الأمر إلى أن يصل للعناد المتعمد .‏

 فقط التفكير في عقاب الطفل يولد طاقة سيئة قد تنحرف عن الهدف المقصود له . وفي أغلب الحالات يلجأ الآباء للعقاب لكونهم فقدوا السيطرة على سلوكيات الطفل أو فقدوا الصبر المطلوب في مشوار التربية الطويل أو رغبة في وضع الطفل بحالة من الانزعاج كما حدثتهُ تصرفاته لهم ، أو سرعة منهم في إنهاء الموقف بضربة منهم وتطبيق لائحة عقوبات باتت جاهزة في أذهانهم من شتم وسب وألفاظ يشفي نارغيض في قلوبهم ، والواضح أنهم لم يتعرّفوا على طرق تربوية أُخرى كبديل أول عن العقاب !!‏

 وهذه الأخيرة هي المأساة ؛ نسرع ونتسارع في طلب الأطفال بالدعاء والعلاج في حالات التأخير ، وتمنيات بأن تمتلئ دورنا بنين وبنات ، وفي المقابل قله من يتدارس ويحاول تفهم نفسياتهم وطرق توجيههم بحسب طبيعة كل طفل وتركيبة دماغه وأحاسيسه والتغيرات الفسيولوجية (الجسد) والسيكولوجية (النفس) الخاصة بكل مرحلة .‏

لنتخيل الآن بأن الموقف انتهى بعقاب جسدي أو نفسي على الطفل نتيجةً له انصاع الطفل لرغبات والده خوفاً من العقاب المتوعد به ، ونال هذا الأب مراده وشُفي غليله, أتتوقعون أنّنا سنصل لنشوة التربية الصالحة بهذه الطريقة، وأنّنا أمِنّا من العواقب المتخلفة من المُعاقبة !!‏

بالنسبة لكثير من المربين والمهتمين بنفسية وعقلية الطفل ، لا يفرقون بين عقاب مدروس أو عقاب يناسب السن ؛ فالعقاب سلوك مرفوض من قبل نظرياتهم وتجاربهم وخبراتهم .‏

قرأت لأحدهم يقول « من مراجعة البحوث في هذا الموضوع نستنتج أن العقاب الجسدي الذي يمارسه الآباء لا يمنع العنف بل من المرجح أنه يشجعه.فالعقاب يُحبط الولد وفي الوقت نفسه يُقدم له نموذج تصرف يُقلده ويتعلم منه «.‏

وهنا رأي جميل آخر « يخطئ الآباء المرتبكون والمتحيرون حين يأملون أن العقاب يؤدي إلى نتائج في آخر الأمر . ولا يدركون أنهم في الواقع لا يصلون إلى أي شيء بطرقهم تلك . إن استعمال العقاب يساعد الطفل على تنمية قوة أعظم للمقاومة والرفض « .‏

الشيء السيئ فعلاً في العقاب تلك الفجوة التي يُحدثها بين المربي والطفل ، وفقد من أحدهم لروح المودة والارتباط النفسي لروح الآخر لتتحول العلاقة إلى أمر من الشخص الكبير يجب أن يُنفذ من قِبل الشخص الصغير بأي مزاجية كانت للاثنين ، الحوار ممنوع والصبر مفقود .‏

والسبب الآخر عند المربي المُتّخذ من العقاب وسيلة للتربية , إذ تعتلج في دواخله أن مناقشة الأمر والأخذ بسياسة الحوار وإعطاء دور لطفلهِ يبدي فيه رأيه ويُوَصِف شعوره أمر سفيه لا نجاح يُرتجى منه وسَيحط من مكانته في قلب طفله .‏

والحجة في عدم السعي الجدي لمعرفة التداعي الذي بسببه وصل بينهم هذا الاحتداد والشدّ المؤذي ؛ لتصوراته أن الطفل ناقص وعي وإدراك حتى يصل معه بالحوار الودود لنتيجة ترضي الطرفين ، أو من معتقداته المطبوعة في عقليته أن العناد طبع في الطفل فيجب أن نسبقهُ بتعنيف وتكسير لطاقاته الانفعالية !!‏

لذلك علينا هنا أن نوجه الخطاب لأنفسنا نحن المربين لندرك أولاً أن التربية بحر واسع ومتلاطم من التداخلات ، وجمالها يكمن في النشوة التي نأخذها من اقتطاف ثمرة تعبنا وصبرنا ، فليس العبرة والمفخرة في تكبيرأجسام خاوية تعِبة مُرهقة نفسياً ، بل الرسالة الإنسانية التربوية الأبوية أن نُربي عقولاً متزنة ونفوساً سوية وقلوباً حيّة ولا يتأتى هذا إلا بتحمل مضن وصبر جامد وقلب حنون ونفس باذلة .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية