|
معاً على الطريق حتى الشجر والزهر.. وتدفق المياه تصبح لها أنغام أجمل من الموسيقا.. ويتمنى أن يعود الى حضن داره وموئل أحلامه.. لكن قدراً جائراً يقف دون ذلك. وها أنا في مصر كنانة الله في أرضه.. أعاني ما أعانيه من الإشراف على وادي الموت ثم الرجوع عنه.. وماذا في أن أكون هنا مادامت مصر بلداً عربياً لسانه عربي.. وقلبه عربي.. ونداء الله أكبر يصدح في جوانبه من خلال ألف مئذنة؟ وما يهم ماذا أقول.. المهم أن أقدارنا في بلادنا العربية تتجسم أمامي قطعاً من جهنم أو واحات من الجنة فلا أعرف أين أسير ولا أين أصل.. وإذ أستدعي ما يشعل في قلبي شمعة وما يوفر عليّ دمعة.. بل يمكن أن تتجلى أمامي زهرة أمرُّ عليها فأتوقف عندها كما قرص الشمس الناجع والدافئ.. والذي يحمل الحياة الى كل البشر. من بين كل تلك الورود والزهور من حولي تبرز صورة الزهرة الوضاءة الزائرة التي أعرفها ولا أعرفها.. تفرط أمامي أوراقها النقية لأقرأ فيها ما يجب أن أقرأ سواء كنت معها أم ضدها.. وتقول لي: ليست هذه أوراق نقدية فالناس أكثرهم أو أقلهم ممن يعتبرون أن المال أساس للخلاص إنما المال وسيلة لا أكثر.. وأقول للزهرة قبل أن تلملم أوراقها وتنصرف: أقبل منك هذه الأوراق الندية البريئة لعلها تطمئن نفسك وتهدئ قليلاً من روعي. وأعود فأستذكر أياماً ماضية كان الهدوء يسود بلدنا.. والمحبة تفرد جناحيها حولنا حتى يكاد أحدنا في أيام المحن وأيام الصدقات والحسنات يعانق أخاه قبل أن يقدم له مساعدة أو هدية. أين تلك الأيام يا سورية؟.. لا تغيب شمس إلا لتحضر مرة أخرى فأين شمسك ودفؤك وحنانك وما يتوفر فيك من جمال أخاذ حتى أطلقوا عليك لقب الجنة؟.. وما هذه الأيدي الخفية السوداء المجرمة التي تمتد إلينا فلا توفر حتى كبار السن المرضى، أو الأطفال، أو النساء الحوامل؟ ألسنا قادرين على أن نعيد تلك الأيام وألا نكتفي بالوعود والكلام؟ ألسنا قادرين على أن نفرش الأرض عشباً أخضر أو سجاداً أحمر لنلتفت الى الخيرات التي تعمرنا وتغمرنا ويعيش كل إنسان خالي البال مطمئن القلب؟.. ألسنا قادرين على أن نرفع راية وطن واحد يأتلق كالماس واللؤلؤ ويكون قبلة أنظار للدنيا كلها؟.. ألسنا قادرين على أن نثبت أقدامنا في مواجهة أعداء كثيرين وأولهم «إسرائيل» التي تستفيد من كل غضبة أو تمرد أو حتى شجار لتتسلل منها أفاعي الشر والدمار؟ يا سورية.. أيتها الحبيبة الغالية.. أبناؤك جميعاً يفتدونك بأرواحهم.. وسوف تظلين رغم كل شيء نور صباح.. وخد ملاح.. وراحة للمسافر تسقيه الماء العذب القراح. وسأظل أفتقد أوراق الزهرة الزائرة وقلبها الكبير الذي شق النار ليصل الى مقري دون وطن أو دار. |
|