تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثقافــــة الأســـــــلوب

رؤيـــــــــة
السبت 29-10-2011
أديب مخزوم

العمل الفني الإبداعي الحديث ليس مجرد تسلية وتمضية فراغ، وإنما هو رحلة أو نزهة اكتشاف يومية، ومتعة استرسال في رحاب الخط التصاعدي الأسلوبي، الذي يؤكد حيوية الموهبة، وقدرتها على فتح آفاق تعبيرية جديدة في واحة ثقافة وفنون العصر.

ولقد تعززت وترسخت في الحياة الثقافية المعاصرة ثقافة الأسلوب، وأصبح المساس بها، مهما بلغت المغريات اللااسلوبية، خطراً واتهاماً يضع التجربة الفنية في دائرة الالتباس والضعف والانفصام، ويضفي نوعاً من القساوة على تعابير الحالة العاطفية الانفعالية، ويعرض صاحب العمل الفني والأدبي للانتقاد والانتقاص والتشكيك، بحجة الارتباك والركاكة والاضطراب والضياع والانقسام.‏

فالمشكلة الأساسية التي تعترض خطوات تطوير التجربة الفنية تكمن في استنادها على اختبارات وحالات تعبيرية، تتعارض في أحيان كثيرة مع نقاط ارتكاز الخطوط واللمسات العفوية وتداعيات المظاهر الانفعالية، التي تشكل المدخل الحقيقي للحرية التعبيرية الصادقة، لأن الحلم الفني يتحول إلى لعبة عقلانية تفتقد للعاطفة في سياق استعراض الخبرات والنتائج التقنية والفنية والابتكارية.‏

والسجال الحاد الذي يمكن أن يثار في سياق الحديث عن ثقافة الأسلوب، ينطلق من حقيقة مفادها أن بعض كبار المبدعين في هذا العصر، لم يلتزموا بمرتكزات وخصائص البحث الأسلوبي، فالفنان العالمي الأسطوري بيكاسو كان يستلهم ويجرب ويطلق العنان ليده لترسم وتبتكر دون فواصل وحدود ونقاط ارتكاز اسلوبية، حيث كان ينتقل بين التقنيات التصويرية والغرافيكية والنحتية والخزفية، ويتغير ويتحول من أسلوب إلى آخر في كل مجال فني خاضه، حتى لا يكرر أشكاله وتكويناته ومناخاته اللونية.‏

إلا أن هذا الشعور بتعددية الأجواء والمناخات والوسائل والتقنيات في فن بيكاسو سرعان ما يتغير وينقلب رأساً على عقب، عندما نكتشف في أعماله جرأة مدهشة وحيوية مذهلة في صياغة إيقاعات وعناصر الأشكال البصرية. فهو كان ينوع في الأساليب والتقنيات ويحرك الأشكال ويلامس أجواء الخط التصاعدي الأسلوبي، ويتجه بشكل تدريجي نحو إمكانية اختزال العناصر وقطعها وتفكيكها لالتقاط الزوايا التعبيرية الأكثر جمالية وحداثة وتعبيرية،وهذا ما أسميه بوحدة التنوع أو بوحدة الاختلاف الأسلوبي والتقني الذي هو أرقى درجات الإبداع، وفيه نشعر ببصمة الفنان الخاصة بكل عمل على حدة، رغم تعدد الخبرات والخيارات والهواجس والرؤى والأفكار.‏

adibmakhzoum@hotmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية