تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العشــوائيات الأدبيــــة

ثقافـــــــة
السبت 29-10-2011
باسم سليمان

قال الجاحظ: المعاني ملقاة على الطرقات وتقولون: إن الإبداع, كيف تقول!؟ وما بين قوسي الابداع, المضمون والشكل, تدحرجت كرة الثلج وتضخمت جداً حتى صارت العشوائيات الأدبية, هي محدث القول أما البنيان القديم،

فصار من التراث ولاأقصد بالعشوائيات الأدبية ذماً بل من باب التنويه إلى أن الشكل الذي كان مدار كيفية القول صار كالمعنى على الطرقات وظهرت لدينا الكلاسيكيات شكلاً ومضموناً حتى في جديد اللحظة الأدبية وصار الأمر نسجاً على منوال, حتى بات ما يأتي من مستقبل القول كأنه ابن الماضي.‏

بعد مدّ القول فيما سبق, يأتي السؤال كيف السبيل لمفازة تنجينا من التصحر الأدبي؟ وخاصة إن البلاد التي تكثر فيها الصحارى دليلٌ على شيخوختها. كيف نعمل على تفجير تنانير الأرض القديمة هذه لتجب بنارها رمل التكرار وتخرج لنا تراب التجدد.‏

تكاد الكلمة أن تأخذ كامل المساحة القاموسية لها وهذا يعني استقرارها وقدمها وبالتالي تجذر دلالتها وثباتها الذي لا فرار منه وخاصة إن الجملة الأدبية نفسها قد تهرأت, فرحمها قد يبس حتى ضمن الابن الأكثر ضلالا وهو الشعر.‏

ظهر مفهوم تراسل الحواس ومدّ الشعر بطاقة جبارة إلى أن استهلكت طاقات الحواس لدرجة لم تعد تنجي من تكرار وعليه ذهب بعضهم للغرابة في الصورة بإيجاد تشبيهات واستعارات تنبو حتى عن اللاشعور والتشكيل في عالم الرسم وهكذا بدأت المساحة تضيق أمام الشعر وأخذناه مثلاً لكونه أكثر الأنواع الأدبية جموحاً للكشف وقد سبق ذلك غربة تجلت باستعارة نماذج من الغرب والشرق ونمثل بأرهنها وجوداَ قصيدة «الهايكو» وتمثلاتها بقصيدة «ش, ق, ج» على منهج «ق, ق, ج» إن صح التمثل ولا نقصده إلا تهكماً, في محاولة لتفجير ولو تلة نمل في صحراء القول.‏

وحيث إن نجاح الاستعارة يتضمن قِدماً متجذراً في وعي الكاتب والقارئ وتجربة معاشة في صيرورة المنتج الأدبي ضمن المجتمعات المنتجة له والمستهلكة وهذا ما لم تجده الاستعارة, فبقيت متقوقعة على ذاتها حتى ضمن كانتونات الأدباء ذاتهم, فما بالك بالقارئ الذي يعاني أمية قرائية تحكمها ديكتاتورية شفوية طاغية, لا ريب أن التمحيص في ذلك يقودك إلى أن الحداثة, قشرة كقشرة البصل سريعة الجفاف وتنزع عند التخزين, فما الحل والتجارب تقود الأدب لغربة لا رجعة عنها!؟.‏

قد يكون الحل في استعمال الشفوية من جديد ولا أقصد هنا التفعيلات والمعنى السطحي ومامن ذلك بل تكمن في تطعيم الكتابة بالشفوية من جهة وتقليم الدلالة وإعادة تطعيمها, فالشفوية هي في قدرة اللغة على تطوير ذاتها بذاتها وفق لحظة الاستخدام كأن تنحت كلمات جديدة أو تمد الدلالة لأرض جديدة أو حتى القفز بين ضفتين لايجمعهما جامع إلا ما طرأ ولجهة تقليم الدلالة كأن نأتي لبداهة ونعمل على الطعن بصحتها بتقليم المقول عنها إي إزالة ما اسماه بارت, الكتابة على الكتابة, بكشطها ومن ثم تطعيمها بمعنى جديد لاعهدة لها به؛ لكن فيسيولوجيتها تقبله ولا تعارضه وهو أشبه بنقل الأعضاء في البشر, فنقل قلباً لمريض لايسمح بانتقال مشاعر المتبرع إلى المتبرع له وهذا يعني الإتيان بالدلالة وتجويفها من معانيها السابقة سواء بالرفض أو السخرية أو التهكم وزرع الدلالة الجديدة الناتجة عن لحظة الحاضر كاملة وهنا نستطيع إخراج العشوائيات الأدبية إلى التنظيم, لأننا لم نخرج عن ثقافة المجتمع واستحضرنا تراثه وحاضره ومفاهيمه وبالتالي شفويته الكاسحة لترويضها في مقولة المعنى والمعنى الآخر.‏

Bassem-sso@windowslive.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية