تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل خميــــس... مـــدن العـــرب

ثقافـــــــة
الخميس 3-11-2011
حكيم مرزوقي

هذه الوجوه التي دبغتها الشمس حباً هم قومك,..  هذه الرّاحات التي لا تكفّ تلوّح لحافلات السيّاح  كسواعد ساعات الصالونات هم قومك,..

هذه الابتسامات التعبة  وهي  تقاوم الاصفرار  والتسوّس والغادرين هم قومك,..‏

هذه الظلال التي عليها  يتّكىء  الكبار وتلك التي  يتفيّؤ تحتها أحفادهم  هي لقومك,..‏

هذه الطّيبة التي تُسكب في الفناجين والقدور وتنحر للغرباء هي لقومك,..‏

هذه المؤامرات التي تحاك في القصور البعيدة وخلف البحار هي على قومك, فانظر يا بني كم أنّ قومك مهمّون ومنسيّون كالأساطير.‏

أولئك الذين لم تكن  تستريح تحت حوافر خيولهم الأرض, يثيرون خلفهم النقع والغبار والعاشقات والأقاويل, تداعب الريح غررهم السّوداء, يمضون كالصّباحات الواعدة  ولا ينحنون إلاّ لله وقطف الزهور وتقبيل أيادي السيّدات وجباه الأطفال, أولئك الذين لايترجّلون إلاّ ليصافحوا أو يموتوا.‏

بنوا مدناً, همسوا لها بأسرار ثم رحلوا فما زال صمتها يثير غيظ الغرباء والحانقين:‏

بغداد‏

مالي ولأبي جعفر المنصور, دخلتك يافعاً  ومعتزلا ومحباً لحلقات العلم  كواصل بن عطاء وليس اعتزاليّا كأجدادي (الأغالبة), لن أذكر منك الأحياء التي تذكر في نشرات الأخبار كي لا أزيد من جراحك, بغداد تذكّري (حيدر خَانهْ) والدينار الذي كان بثلاثة دولارات واللحّام الذي أهداني ثلاثة كيلو من اللحم حين طلبت نصفا, فقط كي لا أعطّل شغله... سلامي إلى من تبقّى من عائلته.‏

القاهرة‏

 بناها المعز وفتحها جوهر, ولكن من أين انطلقوا؟!...‏

من تونس؟‏

نعم..  ‏

لن أدخل معك في سجال، وأنت مدينة السجال، فلن يفيدني هذا.‏

أيتها التي أرادت أن تقهر (سامرّاء), ولكنّي أحبّك كبيراً ونجيب سرور وصلاح جاهين والأبنودي وأحب أن ألتجئ إليك كأبي خليل القباني ويعقوب صنّوع ومارون نقّاش, أفخر بك أيتها الأم الرؤوم  لقد هزمتني رحابتك.‏

بيروت‏

لست معقّدا أو مكبوتا كي أتحسّر على نسائك ومرابعك, لكنّي أحبّك وأنت تحاربين الحرب بالكتب والرقص والسهر, بيروت أنا أوّل من يحبّك حين يملّ الآخرون من حبّك لأنّ نزاراً كان على حق ومحبّوك كانوا على حق..  وحتى كارهيك أظنّهم كانوا على حق، بيروت مرفأ المرافئ, مرفأ كلّ شيء, ولا قدر للمرافئ إلاّ الانتظار.‏

طنجة‏

قال عنها محمد شكري: (صباح الخير أيها الليليون, صباح الخير أيها النهاريون, صباح الخير طنجة, أيتها المدينة المنغمسة في الزمن الزئبقي)..‏

صديقي جان جنيه يرقد فوق هذا القبر عند هذا المحيط!.. ماأغرب هذا الرجل وما أقربه إلي، إنه كان قد سكن المحطّات ومات فيها ودفن إليها وما زال ينتظر!..‏

الجزائر‏

ما أكبر الفكرة وما أبسط المدينة وما أشرس عشّاقها, الجزائر مدينة لا تتقن إلاّ شيئين: الحب أو اللاّحب, الجزائر أو اللاجزائر... ما أنقى هذه المدينة وما أفصحها وما (أرجلها).‏

حلب‏

المدينة التي ما زالت تصرّ على حلبيتها, تحرس ضجيحها  القدود ويحرس طيبتها الزعتر، واحتمال اتساخاتها الصّابون ولا تسلّم مفاتيحها إلاّ لأبنائها, مدينة كعمّال الميكانيك لا تكاد تعرفها في النهار ولكنّها متأنّقة في الليل ومتعالية ومنيعة كأصوات منشديها, اعذريني حلب, علّمتني أنتِ ألاّ أهيم بمدينتين.‏

حماة‏

كما النواعير دائما, لا تعصي عاصيها, تخضرّ المروج لدموعها ويغنّي البدو لنحيبها ولا تعبأ بغصّة الطحالب, هل جئت ترسب طحالب في حلق نواعيرَ الزمن؟.. هل يعمّدك ماؤهم ؟هل يرقصك طحن أضراس الخشب الغارق؟!.. سدّ أذنيك بسبّابتيك ولا تنصت لحكايا الزمن المتصابي واعبر إلى الضفّة الأخرى  فلن يتّفق عاصيان.‏

 عمّان‏

قد لا تغري شوارعها النازلة والصاعدة بالتسكّع المريح وقد تصادف  كثيرين وكثيرات يتفسّحون بسيّاراتهم أو يمارسون رياضة المشي المتعب ولكنّها تحيلك إلى اصطياد خطوات الأصدقاء: تيسير نظمي, رسمي أبو علي, علي العامري, جهاد هديب, حسين جلعاد, وآخرين من الذين تقصّدت عدم ذكر أسمائهم كي يزعلوا منّي وما أطرف أن تستفزّ أحدهم  بمحبّة.‏

أي بني, هناك مدينتان عصيّتان عن الوصف والحديث والمسامرة والمدن أسرار  ولن أحدّثك عنهما في وضح النهار كي لا تنجب أولاداً صلعاناً على قول جدّتي, وكي لا تكون شهادتي مجروحة, لا ينبغي للواحد أن يغازل جلده وقامته ولون عينيه كي لا يتّهم بالنرجسيّة, إنّهما تونس ودمشق, ولك أن تكتشف...  وسوف لن تكشف إلاّ قليلا.‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية