|
آراء إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث خدم كيسنجر خلال فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) في الجيش الأميركي وحصل في العام 1943 على الجنسية الأميركية. وقد عرف كيسنجر أيضاً بمهندس السياسة الخارجية الأميركية في عهد إدارتي كل من الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. وبقي حضور كيسنجر مستمراً، فقد عينه الرئيس رونالد ريغان عام 1983 رئيساً للهيئة الفيدرالية التي تم تشكيلها لتطوير السياسة الأميركية تجاه أميركا الوسطى. ثم قام الرئيس جورج دبليو بوش بتعيينه رئيساً للجنة المسؤولة عن التحقيق في أسباب هجمات الحادي عشر من أيلول 2001. ولكيسنجر طروحات فائقة الجرأة والخطورة منها: - الضرورة الحيوية للتواجد الأميركي في المنطقة الأوردية (باكستان وأفغانستان ومحيطهما) وهي دعوة تعود إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. - التهديد باحتلال منابع النفط العربية (إبان أزمة وقف النفط العربي). - دعوته لإعادة تقسيم الشرق الأوسط وفق مخطط يعرف بمخطط «كيسنجر». ولكن ماذا عن جرائم الحرب والعمليات السوداء التي أشرف عليها هذا السياسي الماكر؟ قد نجد الإجابة عن ذلك في كتاب: محاكمة هنري كيسنجر لمؤلفه كريستوفر هيتشنز يضيء هذا الكتاب جوانب أخرى للحقيقة التي لم تعد خافية على أحد بعد عمر من الجرائم التي ارتكبتها السياسة الأميركية بحق شعوب العالم منذ قنبلة هيروشيما مروراً بحرب فيتنام وحصار كوبا وصولاً إلى الحرب على أفغانستان والعراق، واليوم السعي إلى تفتيت الوطن العربي وتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد. يتناول الكتاب أيضاً جرائم الإبادة الجماعية التي تبين تجاهل الدبلوماسية الأميركية للمواثيق والأعراف الدولية ولطالما كشفت الوثائق السرية تورط الساسة الأميركيين الكبار بجرائم منظمة ضد الشعوب الأخرى، ما يلغي أي صدقية للخطب والمبادئ التي تنادي بها الإدارة الأميركية بما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان مثلها في ذلك مثل حليفتها الاستراتيجية «إسرائيل» وكأن هاتين الدولتين هما فوق القانون. والعمليات السوداء والاغتيالات التي شارك بها هنري كيسنجر إما بالتخطيط لها أو دعمها مادياً ومعنوياً باعتباره مستشاراً للأمن القومي ووزيراً للخارجية في عهدي الرئيس «نيكسون وفورد» حين كان المسؤول الأول في لجنة الأربعين وهي هيئة شبه سرية عملاقة وأخطبوطية قامت بالإشراف المطلق على أعمال الولايات المتحدة السوداء في الخارج بين 1969و 1976 من القرن العشرين على حد تعبير المؤلف. وإذا كان أمر كيسنجر وشركائه قد افتضح أخيراً بعد الاطلاع على مذكرات كيسنجر الشخصية التي باعها لمكتبة الكونغرس على أن تظل مختومة إلى مابعد موته وإذا كانت الصدفة وحدها هي التي أدت إلى افتضاح هذه المذكرات عام 2000 فهل بإمكاننا أن نتصور عدد المجرمين الآخرين الذين يتمتعون بالحصانة الكاملة ويقودون السياسات الأميركية وينصبون أنفسهم سادة على عالمنا الذي بات يختنق حقاً تحت وطأة فظاعاتهم. وقبل مدة وعبر صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أطلق هنري كيسنجر آخر صيحاته الرؤيوية وفيها أن العالم لابد له من التحرر من التبعية الأميركية سياساً واقتصادياً وأن البديل عن التحرر والانعتاق من السير في الفلك الأميركي أبداً ودوماً هو الفوضى، وعليه فإما نشوء نظام عالمي جديد، وإما الفوضى الشاملة. ويضيف كيسنجر: إن التغيير والخروج عن التبعية للولايات المتحدة في ظل ما يتعرض له النظام العالمي الحالي من عدم الاستقرار أصبح ضرورة وإنه لا توجد فرصة أنسب من تلك التي يمر بها العالم حالياً لإحداث ذلك التغيير، كما أنه يستحيل مع حجم الهزيمة التي منيت بها واشنطن اقتصادياً أن تبقى دول عديدة قابعة خلف الهيمنة الأميركية وأنه على كل دولة أن تعيد تقييم مشاركتها في الأزمة السائدة في العالم. ويرى كيسنجر أن أميركا ستبقى صاحبة الزعامة لكنها لن تحافظ على موقع مدعي الوصاية وخاصة بعد دخول إدارة أوباما البيت الأبيض فإن هناك أمراً من اثنين: إما أن تقبل الولايات المتحدة بإعادة صياغة النظام العالمي لضم القوى الاقتصادية الصاعدة ومنحها جزءاً من كعكة السلطة العالمية، أو ستعمد إلى شن المزيد من الحروب في مسعى منها لإطالة فترة زعامتها المطلقة في العالم. والنتيجة الحتمية هي أن أميركا بين خيارين: القبول أن تكون الأولى بين متساويين لها في النظام العالمي أو تقوم بتدمير المعبد على رؤوس الجميع في حال عجزت أو أبت تقديم هذا التنازل. والمتأمل لرؤية كيسنجر هذه سيجد نفسه أمام حيرة وتساؤلات كثيرة لكنه على الأغلب سيخرج بنتيجة هي أن الولايات المتحدة أخذت فعلاً برؤية كيسنجر وبدأت بالتحضير لشن المزيد من الحروب من خلال افتعال الأزمات وإحداث الاضطرابات والمشكلات والفتن الطائفية في بلدان عديدة. |
|