|
آراء فجأة.. يخيم الصمت على بيت الزوجية وينقطع الحوار، باستثناء بعض العبارات المقتضبة الضرورية التي تتعلق بطلبات أحد الطرفين، أو بأمور وقتية يومية تتعلق بحيثيات الأسرة، وضرورات الحياة الملحة. يدخل الرجل صامتاً، ويخرج صامتاً، ويبدو دائم العبوس والتجهم كذلك تفعل الزوجة مع كثير من التذمر والشكوى وردود الفعل العصبية السريعة. لقد حصر علماء النفس الأسباب التي تجعل أحد الطرفين أو كليهما يغلف نفسه بهالة من السكوت متخيلاً أنه بذلك يحل المشكلة، فإذا بها تتفاقم لتصل إلى طريق مسدود، ومن هذه الأسباب مثلاً: تنافر الطباع وتباين الاهتمامات، واختلاف المنشأ، وتشتت الميول، وبدلاً من حصر المسافة بينهما ومحاولة تقريب وجهات النظر يلوذان بالصمت تفادياً للخصام، أو عندما يتطور أحد الطرفين - وغالباً الرجل- ثقافياً وفكرياً واجتماعياً ويبقى الطرف الآخر على حاله عاجزاً عن المحاكاة والمجاراة، أو عندما ينشغل أحدهما أو الاثنان معاً طوال ساعات النهار، وربما جزءاً من ساعات الليل في العمل، فيفضلان السكوت على الكلام، وما أكثر ما يكون السكوت عقاباً للطرف الآخر نتيجة شك ما، أو التباس بعينه، أو تخيل معين أفرزته المخيلة أو كي لا يكشف عن انفعالاته التي تعني ضعفه أو رداً على الشكوى المتكررة من قبل الزوجة من متاعب البيت والأولاد أو للاعتقاد أن الصمت هو خير سلاح يشهر في وجه القلق واليأس.. ينصح علماء النفس بضرورة الحل المبكر، وتدارك الأمور قبل استفحالها حتى لا يعتاد الشريكان على أسلوب واحد في المعالجة، وحتى لا يستشري هذا الداء بحيث يصبح في النهاية عسير العلاج، يحكمه الغرور والامتناع عن المبادرة لوصل الوداد كما ينصحون حديثي الشراكة بتوسيع دائرة الموضوعات التي يتناولونها. إن اللجوء إلى الصمت تفادياً للمشكلات، هو مشكلة بحد ذاته إذ يخلق في أعماق كل من الزوجين الكثير من التراكمات على المدى البعيد، بينما المعالجة المتروية الهادئة لأي أزمة تجدد ثقة كل طرف بالآخر، وتجعله صفحة مفتوحة يمكن الاطلاع عليها بسهولة وبذلك نحكم على هذه العلاقة أو تلك بأنها ناجحة وسعيدة. الصمت..! ذلك الرحيل الانهزامي نحو الداخل.. إنه لعبة خطيرة نقع في شراكها دون أن ندرك أبعادها المدمرة لكل الود والحب السابقين إنه مؤشر صارخ لخلل ما اضطر أحدنا أو كلانا إلى إيثار السكوت والانكفاء إلى الذات ليزحف الجليد إلى عواطفنا ويغدو الملل سيد الموقف وليس سواه. |
|