تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الانسحاب الأميركي.. نكسة لواشنطن وانتصار للعراقيين

شؤون سياسية
السبت 5-11-2011
حكمت العلي

مع إعلان الإدارة الأميركية عن نيتها سحب قواتها العسكرية نهاية العام الجاري بعد قرابة تسع سنوات من الاحتلال ،

تتوضح حقيقة مفادها أن الاحتلال مهما طال وقسى لابد أن يزول ولعل كلمات أوباما اليائسة وهو يعلن نبأ الانسحاب حول (تعب وملل الأميركيين من هذا الغزو) لأوضح دليل على سوء الحالة التي أورثتها إدارة بوش من جراء هذه الحرب العبثية التي مقتتها كل الشعوب ودلت على مدى الكذب الذي يمكن أن تصل إليه الإدارات الأميركية عند تبريرها لحدث ما وخاصة عندما يتعلق الأمر بغزو شعب ما واحتلال أراضيه وفبركة مختلف أنواع الحجج والنفاق من مثل أكذوبة أسلحة التدمير الشامل التي كان يمتلكها العراق قبل غزوه.‏

اللافت في الغزو الأميركي للعراق هو تحقيق نجاحات من نوع آخر وهو سرقة خيرات الشعب العراقي وخاصة النفطية منها دونما مقابل سوى مقتل العديد من جنوده والذي أعلن رسمياً وهو قرابة الخمسة آلاف جندي وجرح أكثر من ثلاثين ألف جندي وهي تكلفة بسيطة فيما لو قورنت بالمكاسب النفطية التي حققتها واشنطن بحسب مخططاتها الاستراتيجية حيث تدفق النفط إلى جيوب المستثمرين وأصحاب الأموال الأميركيين.‏

فالفشل وخيبة الأمل وازدياد الرفض لسياسات واشنطن هو ماجنته سنوات الاحتلال التسع للعراق والتي مقتها العراقيون ورفضوها جملةً وتفصيلا.‏

رفض العراقيين إبقاء قواعد عسكرية في بلادهم، شكل بحسب صحيفة الغارديان ضربة دبلوماسية وعسكرية قوية لواشنطن بعد فشل أوباما خلال محادثاته المطولة مع المسؤولين العراقيين بالسماح بإبقاء قاعدة أميركية أو أكثر في البلاد بحجة أن بلاده تكبدت خسائر بشرية ومادية كبيرة..‏

الانسحاب الذي وصفه جمهوريون في الكونغرس الأميركي بالنسبة لواشنطن وبالانتصار للقوى الحرة في المنطقة رأى فيه أبناء الشعب العراقي خلاصاً من حالة الاحتلال التي عانوا منها وتجرعوا ويلاتها قتلاً وتدميراً ونهباً لخيرات بلدهم..‏

فشل أميركي مزدوج سواء في الإخفاق في الحصول على حصانة لما تبقى من قواته أو في تزايد الرفض والغضب الشعبي من ممارسات واشنطن التي ادعت بأنها احتلت العراق لإحلال الديمقراطية فيه، ولكن سرعان مااتضحت اللعبة الأميركية واستطاع الشعب العراقي بفضل إرادته استعادة قدراته وحماية بلده.‏

ويمكن أن نقول بالاستناد إلى الواقع الفعلي في العراق أن الغزو في وقف تقدم الشعب العراقي وتدمير بناه التحتية والاقتصادية وهو بحاجة لعقود لإعادة بنائه بالشكل المطلوب من أبنائه كما تسبب الاحتلال بهجرة نحو خمسة ملايين عراقي ومقتل الآلاف وجرح أضعافهم والتسبب بحالات كثيرة من الإعاقات والتشوهات وبالمقابل أدى إلى مقتل أكثر من 4400 جندي أميركي وجرح قرابة الثلاثين ألفاً بحسب إحصاءات واشنطن.‏

وبغض النظر عن الحملة الانتخابية لأوباما في مقابل منافسيه في الانتخابات الرئاسية المقبلة فإن الانسحاب الأميركي من العراق لا يأتي في سياق نهاية (المهمة) بقدر مايأتي نتيجة معرفة الأميركيين بتزايد الرفض الشعبي العراقي لهم بعد أن اتضح كذب إدارتهم المتعاقبة والدليل على ذلك تزايد العمليات التي تستهدف الجنود الأميركيين على الرغم من تمركزهم في قواعد مؤقتة خارج المدن ظناً منهم بأنهم سيبقون في هذه القواعد إلى الأبد مايعني فيما لو تم ذلك تكريس واقع الاحتلال وبالتالي انتقاص السيادة الوطنية والقرار الوطني للعراق وما إصرار العراقيين على عدم منح ماسيتبقى من أميركيين من حصانة تحت غطاء التدريب والمهام المدنية، إلا دليل على رغبة الشعب العراقي بكل أطيافه التخلص من كل مظاهر الوصاية والاحتلال.‏

وبغض النظر عن كون قرار الانسحاب على هذه الشاكلة هو نتيجة بحتة لحسابات سياسية أو نتيجة فشل في المفاوضات مع الحكومة العراقية فإن هذا الاتفاق يجب أن يكلل بوقف كل الاتفاقات التي وقعت في بداية الغزو في الشؤون السياسية والاقتصادية والتي حصلت بموجبها الشركات الأميركية على عطاءات الاستثمار بشكل يخدم مصالحها على حساب الشعب العراقي صاحب هذه الثروات وخاصة النفطية منها حيث يشكل هذا الأمر مصدر غضب يضاف إلى الإحساس المتزايد لدى العراقيين بشأن تجاوزات الجنود الأميركيين السافرة بحقهم بحجة ملاحقة المسلحين فيما مضى وتورطهم في حوادث كبيرة مثيرة للجدل من ضمنها استهداف المساجد بقصد إحداث الفتنة والاقتتال بين أبناء الشعب العراقي وبالتالي ضمان البقاء لأطول فترة ممكنة تحت مبررات فقدان الأمن والاستقرار وعدم قدرة العراقيين على إدارة شؤون بلادهم.‏

ويمكن القول إن الانسحاب الأميركي من العراق سوف ينعكس صراعاً وتناقضات على الساحة السياسية الأميركية وقد يطيح برؤوس كبيرة فيها خاصة وأن الانتخابات الرئاسية المقبلة تشهد قبيل انطلاقها جملة من الاتهامات والتناقضات بين الجمهوريين والديمقراطيين والذين لايهم بأي حال من الأحوال فرحة الشعب العراقي بتحرير أراضيه بقدر مايعنيه ذلك للإدارات الأميركية من مكاسب إذا لم نقل خسائر لأن كل المعطيات تشير إلى إن خيبة الأمل التي أصابت السياسيين الأميركيين نتيجة عدم التمكن من الإبقاء ولو على قاعدة واحدة كانت كبيرة جداً خاصة وإن ذلك اقترن بتصاعد الرفض الشعبي لدول المنطقة لجميع أنواع التدخل الأميركي في شؤون شعوبه تحت حجج ثبت كذبها تماماً كالادعاء بالديمقراطية وماشابه، خاصة بعد أن اتضح أن ميزة الديمقراطية المدعاة يمكن لواشنطن الاستغناء عنها عند أقرب مناسبة ليس لشعوب العالم بل بالنسبة لشعبها نفسه وقد دلت احتجاجات وول ستريت على ذلك حيث تفتقد المنظومة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأميركية لأدنى مقومات العدالة والمساواة حيث تسيطر كبريات الشركات وأصحاب رؤوس الأموال على كل مفاصل الحياة وتوجهها الوجهة التي تريد تماماً مثلها مثل افتعال الحروب للدول الأخرى لجني المال وتصدير السلاح وبيعه وترويج المخدرات عبر عصابات منظمة وسرقة النفط وثروات الشعوب كما حدث للشعب العراقي بعد احتلال أراضيه!!.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية