|
قاعدة الحدث
بدأت الأنباء السيئة باليونان، وأزمتها المالية الخانقة، وتسرب تداعياتها إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، انعكاساً لنظرية «كرة الثلج» التي يترتب عليها انتقال الأزمة من مكان إلى آخر مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا، وصولاً إلى دول غنية مثل ألمانيا التي يخشى مواطنوها دفع أي فاتورة للأزمة المالية. حيث تقف أوروبا على حافة الهاوية, فخطة إنقاذ اليونان التي أقرت مؤخراً على شفا الانهيار، وأزمة الثقة انتقلت من دول الأطراف إلى دول المركز في منطقة اليورو، وبقاء اليورو، بل الاتحاد الأوروبي برمته، على المحك. أمام هذه التطورات، اتخذت عدة إجراءات لمواجهة الأزمة، إسبانيا والبرتغال تعهدتا بالعمل على الحد من العجز في ميزانيتهما لعامي 2010 - 2011 في محاولة لطمأنة الأسواق، بينما أقرّت إيطاليا تحت ضغط شركائها خطة تقشف بقيمة 48 مليار دولار تهدف لتخفيض عجز الميزانية بمقدار تريليون يورو، وأعلنت ألمانيا بداية خطة لخفض الإنفاق في محاولة لترتيب البيت من الداخل في الاقتصاد الأكبر في أوروبا، كما طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بفرض عقوبات جديدة على ما تسميه «الدول المتخاذلة» في معالجة العجز الكبير، على غرار تعليق حق التصويت في اجتماعات الاتحاد الأوروبي، وطرح خوسيه لويس ثباتيرو رئيس وزراء إسبانيا الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حالياً فكرة إنشاء «وكالة تصنيف مالي أوروبية»، وأعرب كلاوس ريجلينغ رئيس آلية الاستقرار المالي الأوروبي عن اعتقاده بأنه من الممكن أن تحل أزمة اليورو في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام في حال استمرار دول اليورو في مسارها الإصلاحي والتقشفي، واستبعد انهيار وحدة العملة الأوروبية لأن الدول القوية والضعيفة لها مصلحة مشتركة في استمرار هذه العملة. الرئيس الفرنسي ساركوزي أوضح خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع ميركل بعد القمة الثنائية التي عقدت بباريس في 17-8-2011، أنهما يقترحان أن تتألف الحكومة الاقتصادية الجديدة من رؤساء الدول والحكومات، وستعين لسنتين ونصف وتجتمع مرتين في السنة، أو أكثر في حالة الضرورة وبرئاسة الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي هيرمان فان رومبوي، واقترح أن تتفق الدول الـ 17 الأعضاء في منطقة اليورو قبل صيف 2012 على قاعدة سياسات تؤدي إلى تصحيح ميزانياتها، وهي نفس القاعدة المتبعة في ألمانيا ويجري حالياً إقرارها بفرنسا وتسمى بـ «القاعدة الذهبية» والتي ستسمح بتخفيض العجز الهائل في الميزانيات العامة والناتجة من الأزمة التي تشهدها منطقة اليورو. رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه دعا إلى تطبيق قواعد أكثر صرامة على ميزانيات الدول الأعضاء، ورئيس بنك إيطاليا وخليفة تريشيه في البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي طالب بفرض سقوف ملزمة ليس على الموازنات فقط، بل على طائفة عريضة من السياسات الاقتصادية الوطنية للدول الأعضاء، أما زعيم تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي غاي فيرهوفشتات فقد طالب بإصدار «سندات يورو»، فيما رأى وزير المالية الألماني ولفغانغ شويبله أن على أوروبا أن تتحول إلى اتحاد مالي كامل. والحل برأي البروفسور جوزيف ستيغلتز الحائز على جائزة نوبل، بتحويل الاتحاد النقدي الأوروبي إلى «اتحاد نقدي مثالي» مثلما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث تكون لمنطقة اليورو المكونة من 17 عضواً وزارة مالية واحدة وبنك مركزي واحد وسندات تمويل موحدة تصدر من وزارة المالية الموحدة، ما يقود أوروبا في النهاية إلى دولة واحدة وليست عدة دول تحكم مركزيا من بروكسل، حيث بيّن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون في كلمته أمام غرفة التجارة الفرنسية - الكورية في سيئول، أن أوروبا تتجه «حتماً نحو تشكيل حكومة اقتصادية لمنطقة اليورو» بعد أزمة الديون التي كشفت عن «ثغرات في اتحادنا النقدي». وسط ترقب العالم، وبعد مفاوضات لساعات في بروكسل تضمنها اجتماع بحضور قادة أوروبيين ومصرفيين ورؤساء دول ومحافظي بنوك مركزية وصندوق النقد الدولي أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن الديون اليونانية ستقلص إلى مئة مليار يورو بعد موافقة القطاع المصرفي على التنازل عن نحو50٪ من ديون أثينا ما يوازي مئة مليار يورو من أصل إجمالي الديون العامة اليونانية البالغ 350 مليار يورو، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: إن اليونان ستخضع لنظام إشراف لتنفيذ التزاماتها وسيكون أكثر صرامة في المستقبل. انتهت القمة بإيجاد حل شامل لأزمة الديون، لتقدم منطقة اليورو تعزيزات ائتمانية للقطاع الخاص بإجمالي 30 مليار يورو بهدف زيادة حزمة الإنقاذ الدولية لليونان من109مليارات إلى130مليار يورو، وتوصلوا لاتفاق بشأن إعادة رسملة البنوك بقيمة تبلغ106 مليارات يورو. كما اتفق زعماء منطقة اليورو على تعزيز صندوق الإنقاذ المالي الأوروبي الذي تأسس العام الماضي بقيمة440مليار يورو وسيجري رفعها إلى تريليون يورو، وكانت منطقة اليورو قد لجأت بالفعل للصندوق لإنقاذ ايرلندا والبرتغال واليونان ما خفض المبلغ المتاح إلى 290 مليار يورو. كما تعهد رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني بالوفاء بالالتزامات التي قدمها لشركائه الأوروبيين بإتمام إصلاحات هيكلية اقتصادية طلبها الأوروبيون من روما لضمان خفض العجز، من جهته رحب رئيس البنك الدولي روبرت زوليك بالاتفاق الأوروبي المرتقب الذي قال انه سيمنع امتداد الأزمة المالية إلى بقاع أخرى من العالم. واتفقت دول منطقة اليورو على آلية تسمح برصد المزيد من الأموال دون أن تضطر الدول إلى إنفاق المزيد من خلال وسيلة «الرافعة المالية»، تقضي هذه الآلية بتقديم نظام ضمانات للقروض لتشجيع المستثمرين على مواصلة شراء سندات الدول الضعيفة وإبقاء معدلات الفوائد بمستويات منخفضة، ويقوم صندوق الاستقرار المالي بضمان جزء من الدين في حال تعثر الدولة المقترضة عن التسديد. وفي آخر شق من خطة مواجهة الأزمة، تعتزم منطقة اليورو مواصلة دعمها للبنك المركزي الأوروبي الذي يعمل حاليا على مساعدة ايطاليا واسبانيا من خلال إعادة شراء ديونهما العامة في الأسواق لتفادي ارتفاع معدلات الفوائد على القروض السندية. إن الفشل في وضع هذه المقترحات حيز التنفيذ يقوض ثقة الأسواق المالية المهتزة بالفعل في منطقة اليورو، وفي قدرتها على التغلب على أزمة الديون المستمرة منذ عامين والتي باتت تهدد قابلية العملة الموحدة للاستمرار على المدى الطويل. فهل تؤدي الأزمة إلى إقدام بعض الدول على مغادرة منطقة اليورو، أو أن تتخلص مؤسسات الاتحاد نفسها ممن تعتبرهم أعضاء خاسرين؟ وهل تتأثر العلاقات بين القطبين الرئيسيين ألمانيا وفرنسا، علماً أنه سبق أن اتهمت وزيرة المالية الفرنسية ألمانيا بأنها أحد أسباب الأزمة الاقتصادية في دول منطقة اليورو، بسبب الفائض الهائل في ميزانها التجاري؟ |
|