تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تربيـــة الأطفـــال بالمثـــال وليــــس باللســــان..!!

مجتــمـــــع
السبت 12-11-2011
محمد عكروش

ينمو الأطفال في الكيان الأسري وهو كيان أدبي أخلاقي له مبادئ معينة, وكأنهم عضو في شجرة إذا كانت مريضة سيكون العضو أيضاً مريضاً أو يحمل عيوباً وشوائب.

هل هذا يعني أننا مطالبون أن نكون مثاليين أو نطالب أولادنا بهذا ؟ هذا ما سنعرفه من خلال حوارنا مع الدكتورة حياة سعد الاختصاصية في طب العائلة لتجيب : حتماً لا , لأن هذه الشجرة أو هذا الكيان الأسري ليس مثالياً أو بالأحرى نحن لا نستطيع أن نكون مثاليين لذلك لا يجب أن نطالب أولادنا بالمثالية , عندما نطالبهم بالمثالية فنحن إما مرائيين أو نسبب لهم العجز والتشويش والخلط وهذا له مضاعفات هائلة على الاستقرار النفسي للطفل ويخلق صراعاً رهيباً داخله يؤثر فيما بعد على وجود السلام المستقبلي في هذا الإنسان‏

القاعدة هي : هل أنا أصلح كمثال لأولادي؟ إذا لم أكن أصلح فليس لي الحق أن أطالبهم بالمثالية.‏

التوجه السليم من الوالدين‏

إذاً ما أسس التربية النفسية الصحيحة ؟ الصحة النفسية للطفل مرتبطة ارتباطاً كاملاً بكلا الوالدين ومرتبطة بالصحة النفسية للعلاقة الزوجية، مثلا الطفل يتعلم مبادئ معاملة الجنس الآخر من خلال مشاهدة معاملة الزوجين لبعضهما فهما المثل والقدوة بالنسبة له , إذاً علي الانتباه أن كل شيء افعله مع زوجتي أو زوجي ( غضب ، صراخ ، مراءاة، إهمال........) سوف يتعلم الطفل أن يمارسه عندما يكبر، مع الاستفادة من كل فرصة لتعليم طفلي السلوك الاجتماعي الصحيح والمتوازن من خلال الحوار أو مشاركة خبراتي الشخصية اليومية معه بالإضافة لتعلمه من خبراته الخاصة مع التوجيه السليم من الوالدين.‏

ليس إعطاء الأوامر‏

هل هناك خطوات عملية تساعدنا على تحقيق هذه التربية السليمة ؟‏

- معرفة الميول الشخصية لأطفالنا: فكل طفل له مواهب مختلفة وقدرات مختلفة وميول مختلفة قررها الله وصنعها ، وظيفتنا نحن والسلوك معهم طبق هذا الميول ومعاملة كل طفل حسب شخصيتهم ودفعه لطريقه لكي يحقق ذاته في الحياة. وظيفة الأهل ليس إعطاء الأوامر بل تدريبه على كيفية تنفيذ هذه الأوامر لأنه لا يعرف غالباً كيف ينفذها.‏

- إعطاء الطفل إحساسه بقيمته : وذلك عن طريق لمسه واحتضانه (تصله رسالة أنه محبوب).‏

- تمضية وقت معه ( تصله رسالة أنه مهم ) الاستماع إليه والنظر إليه عندما يتحدث، الاستماع إلى رأيه والاستماع به ( الاستماع أنه يتحدث عن نفسه وعن الحياة يعني أن رأيه له أهمية ) عندها يخرج للحياة يعبر عن رأيه ولا يحصل له كبت أو نقص في الثقة بالنفس.‏

إذاً: يعبر عن رأيه في الحياة، يزداد ثقة بنفسه، يتعلم كيف يقول رأيه، يصبح مؤثراً فعالاً في الآخرين, وان لم يصبح هكذا يصاب بالأمراض النفسية ولا يستطيع الخروج لخدمة المجتمع وبنائه.‏

- إسناد المسؤوليات له ( تصله رسالة إنه يقدر ويستطيع ) إذا قال إنه لا يستطيع معنى هذا انه انتهى وأنه أصبح جثة هامدة في عمر سنوات ويزداد هذا الشعور كلما كبر ويزداد معه شعوره بالعجز.‏

عادلون معه‏

- أن نكون عادلين معه وهذه نقطة مهمة جداً لأن العدل مع الطفل يعطيه إحساسه بإنسانيته وانه ليس مجرد شيء أو آلة لكنه إنسان بصفاته التي خلقها الله فيه فيزداد إحساسه بقيمته بالحياة ويزداد إحساسه بمسؤوليته و يدرك أن عليه دوراً عليه أن يلعبه في هذه الحياة,هنا ينشأ إنسان مسؤول يعتمد عليه أو غير مسؤول لا يعتمد عليه .‏

- مطالبته أو محاسبته فعندما أعطي الأشياء الأربعة السابقة للطفل أحاسبه بعد ذلك لأنه أصبح هو المسؤول عن تصرفاته وسلوكه بعدما أعطيته كل المؤهلات لكي يصير إنساناً صالحاً في الحياة (أما إذا لم أعطه لا أستطيع محاسبته ).وهنا تصله رسالة انه (مهم) وان سلوكه وما يفعله لها قيمة وتأثير على المجتمع ,هنا أصله بالمجتمع وأهبه للحياة العملية , وهذا إعداد نفسي وشخصي و اجتماعي ليكون عضواً نافعاً في المجتمع‏

إنسان ذو قيمة‏

هل هناك هدف محدد أريد أن أصل إليه ؟‏

طبعاً أريد لطفلي أن يشعر ويدرك من خلال تعاملنا معه انه مهما كان أداؤه أو انجازاته فإنه إنسان له قيمته وله إمكانياته وقدراته ومواهبه التي لابد أن اكتشفها وأساعده على أن يكتشفها وأعلم هذا الطفل أن يحب نفسه على ما هو عليه. وعندما يحب ويحترم نفسه يتعلم أن يحب ويحترم الآخرين كما هم عليه ومهما كانت انجازاتهم.‏

نماذخ خاطئة‏

هل يمكننا استعراض نماذج للتربية الخاطئة على سبيل المثال لا الحصر وما تأثيراتها على الطفل؟‏

هذا أحد النماذج الشائعة في مجتمعنا :عندما يقرب الأم أو الأب الطفل له بدرجة عالية وغير صحيحة يحدث ارتباط شديد وغير صحي واعتماد زائد من الطفل على هذا الشخص , وتتكون داخله حركة لاشعورية ( رد فعل ) عدوانية قوية لأنه يحتج ويعترض على انتهاك كرامته كإنسان وحريته ورغبته في أن يكون كياناً منفصلاً ومستقلاً عن والديه.‏

فالطفل غريزياً يريد أن يستقل وعندما تربطه الأم يحتج كيانه بشكل غريزي على سحب حقه في الحياة واعتماده على نفسه فيصبح عدوانياً ( ضرب طفل آخر , أو يؤذي نفسه ) أو في حالة عناد دائم مع الأم وعدم تلبية رغباتها وبنفس الوقت يخاف أن يخسر الأم بسلوكه العدواني هذا فيعيش تحت ضغط هذا الخوف.‏

اهتزاز واضطراب‏

وبوجود هذين الشعورين يحدث الاهتزاز والاضطراب في نفسه ويخرج للحياة ضعيف الشخصية ويظل مرتبطاً بمن امتلكه (الأم أو الأب ) وعندما يتزوج يضيع بين هذين الارتباطين ( ضعيف الشخصية وإنسان ناقص ) يضع قوانين اجتماعية لارتباطه بوالديه حتى يغطي ضعفه ويهين زوجته بالمقابل عندما تعترض على هذا الارتباط الزائد.‏

كذلك قد يحاول الأهل شراء أولادهم من خلال تلبية كل احتياجاتهم ورغباتهم وهذا نتيجة تربية خاطئة في الطفولة عانى فيها الأب أو الأم من الإحساس بالنقص ورفض الوالدين فيحاول شراء رضا الأولاد وحتى كل الأشخاص المهمين في حياته، وإذا لم يرضوا عنه يزداد عنده الإحساس بالرفض ولا يستطيع تحمله.‏

أكثر من بقية إخوته‏

في حالة أخرى نجد أن الأب أو الأم اللذين عانا من النقص في صغره قد يختار احد الأولاد ويقربه لنفسه جدا وينشأ معه علاقة لصيقة حميمة ويقوم بتفضيله على أولاده ( يختار شخصية تتناسب مع شخصيته أو شخصية ضعيفة حساسة يقوم بما يملي عليه ) يقوم بذلك لتسديد الاحتياجات النفسية التي لم تسده عنده في صغره ( علاقة أنانية – مريضة ) ولأنه لا يستطيع أن يقوم بذلك يجب أن يبرر هذا لنفسه ولشريكه ولبقية الأولاد وللمجتمع فيقول: إن هذا الطفل المقرب ضعيف وهو بحاجة ماسة للحب والرعاية أكثر من بقية إخوته وعندما نبحث في طفولة الوالد نجد انه يمكن قد عاش في علاقة تنافسية مع إخوته للحصول على رضا الوالدين، ونتيجة ذلك لم يحظ بالحب الكافي وقد تمنى في طفولته لو انه استمتع بعلاقة خاصة مع أحد والديه فيحقق هذا الحلم مع احد أولاده لإشباع هذه الرغبة التي لم تسدد عنده في صغره.‏

يتوق للعودة‏

ومن هنا تابعت د. حياة لتقول : تدليل الطفل يربى الطفل باعتمادية زائدة على الوالدين وعندما يبدأ بالنضج والاعتماد على النفس يبدأ بداخله صراع , فالحياة تطالبه بالاعتماد على نفسه وأن يصبح مثل الكبار ولأنه تربى بدلال فلا يلاقي في نفسه القدرات الكافية لمواجهة الحياة فيبدأ الخوف والتوتر بداخله ويتوق أن يعود إلى سنوات الطفولة ليبقى مدللاً من الوالدين وغير متحمل للمسؤولية فيعيش في رغبة دفينة في العودة إلى حضن الوالدين يشعر انه مازال بحاجة لوالديه مع انه بعمر الشباب ، وهذا خطأ بينما تحديات الحياة تطالبه أن يعتمد على نفسه فيبدأ في التمزق.‏

الحب الازدواجي‏

قد يعتبر الأهل أن التدليل هو تعبير عن محبتهم لطفلهم, ما رأيك ؟‏

هذا ما أسميه بالحب الازدواجي وهو يعني : أن المحبة الكثيرة من الوالدين للطفل ليس حباً للطفل في كيانه لكنه حب للجزء الأفضل من ذواتهم الذين تمنوا أن يكونوا عليه لكنهم فشلوا، فيعيشون الحلم وهم غير قادرين على تحقيقه ، فعندما يحب الأب مثلاً الطفل يحب فعلياً هذا الجزء في نفسه ويعبر عن هذا الحب في شخص طفل حتى لو حققوا الحلم ( نادراً ) يظلون يحيون نفس الجزء يحاولون أن يجعلوا الطفل امتداداً لهذا الجزء الأفضل في، وبذلك أنا أحب ذاتي والطفل هو الأداة التي استعملها لتعضيد وزيادة الجزء الأفضل في نفسي ولا أنظر للطفل على انه كيان مستقل أو إني أحبه كإنسان يستحق الحب لكن أحبه كامتداد لي وإذا رفض لا أعطيه الحب,وهذا هو الحب الأناني وغير الناضج ونهايته فشل الطفل.‏

تربية متوازنة‏

اذاً كيف أحب طفلي وأقدم له تربية متوازنة ؟‏

أولاً علي أن أدرك أن الهدف الأصيل الوحيد للحب هو أن يحقق طفلي ذاته كما هو مخلوق من الله بشكل متفرد وليس تحقيقاً ذاتياً من خلال محبة الجزء الأفضل في طفلي وأحقق ذاتي على حساب إلغاء شخص آخر ( هو طفلي ) فأحب نفسي على حساب الطفل وأريد أن يتقمص شخصيتي.‏

فما يبدو خارجياً حب من الأهل هو في حقيقة الأمر خانق للطفل والتضحية الزائدة هو في حقيقة الأمر يقيد الطفل وقدراته فيصبح حب الأهل نير، وعلى الطفل أن يتمرد من هذا النير الذي وضع عليه ( اهانة – شعور بالنقص ) عندما ينضج وهذا النير هو تذويب ذات الطفل واحتواؤه في داخله وهذه نزعة شريرة وأنانية وظالمة.‏

وختمت لتقول : هناك رسائل متضاربة تصل للطفل أنا أحبك وأتفانى من أجلك وأتسلط عليه وأقهره وألغي شخصيته، فيعتقد أن هذا هو الحب ويكبر ويحب الآخرين في نفس الطريقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية