تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ما لا يعرفه المتفرج عن العرض المسرحي

ملحق ثقافي
الثلاثاء 24/1/2006
عبد الناصر حسو

إن الكتابة عن العرض المسرحي، تتطلب معرفة واسعة وطريقة منهجية في التفكير، والأصعب من ذلك أن التحضير للعرض في ظل الظروف الراهنة،

عملية معقدة كمن يغامر بصحته وبسمعته وبماله، وتتطلب تضافر جهود مبدعين وفنيين معاً، ليتحمل جميع العاملين، النجاح أو الفشل، وكل واحد من خلال مجال عمله الذي يؤديه تحت إشراف المخرج. من هنا نلاحظ أنه من الخطأ القول إن النجاح هو نجاح للمخرج أو الجهة المنتجة، بمعنى أن النجاح ينتسب إلى شخص بعينه، بينما الفشل يوزع على جميع العاملين فيه، ومن المفترض أن الجميع شركاء في النجاح والفشل. تبدأ عملية التحضير منذ اللحظة التي يختار فيها الجهة المنتجة كادر العمل، المخرج والنص،والفنانين والفنيين، إذا كانت هذه الجهة، مؤسسة كبيرة تهتم بريبورتوار المسرح، ( يبدو الاهتمام بالريبورتوار لم يألفه مسرحنا وغريب عنه، إن لم يكن بعيداً عن المسرح العربي كله) فاختيار النص، وتوزيع الأدوار هو جزء من عملية النجاح، كونه أصعب المراحل التي يمر بها المخرج في منجزه الإبداعي، هل يتم توزيع الأدوار في المسرح السوري وفق رؤية المخرج، أم وفق ما يتوفر من الممثلين؟ أم وفق قرب أو بعد الممثل من المخرج؟ هل هناك خيارات أخرى أمام المخرج لاختيار ممثليه؟ رغم ذلك يلاحظ المتابع أن معظم المخرجين، لا يتوفقون في اختيار ممثليهم، علماً أن اختيار النص غالباً ما يكون موفقاً. لن نتطرق في هذا المقال إلى فنية العرض، أو إلى رؤية المخرج، أو إلى أداء الممثلين، إنما هذه محاولة لتسليط الضوء على بعض المشاكل التي تواجه عملية الإنتاج المسرحي، أو إعاقته. إذا تجاوزنا اختيار النص الذي يكون عادة من مهمة المؤسسة المنتجة، أو الدراماتورج في المؤسسات المسرحية العريقة، بينما في المسرح السوري، يتولى المخرج الذي يتحمل جانباً كبيراً من مسؤولية العرض، هذه المهمة، كونه مؤلف العرض، وصاحب رؤية إبداعية، ومنهجية فكرية، ويختار ممثليه وفنييه، وكل واحد في مجاله. يبدأ المخرج بجمع ممثليه وفنييه بشق الأنفس، رغم أن معظم الممثلين يفضلون علناً، العمل في المسرح، لكنهم يعملون في التلفزيون باعتباره يطعم الكاتو، وما أن تلتقي بممثل حتى يتحدث إليك بألم وحسرة عن مزايا المسرح، وبأن المسرح يجري في دمه،وأنه الفن الوحيد الأقدر على صقل موهبة الفنان، لكنه يقدم أعذاراً عديدة، قد نوافق على العذر الوحيد، الذي يلوح به الممثلون هو نظام المكافأة، وعدم وجود مخرج يحمل مشروعاً تنويرياً، ويقدم شخصية مناسبة للممثل الذي يتحدث ويصدر آهات عميقة، لكن هناك أسباباً أخرى كثيرة يعتبرها المرء حججاً واهية. والحقيقة هناك قلة من المخرجين الذين يحملون مشروعاً مسرحياً نهضوياً. لنأت إلى المخرج الذي اختار النص، ما أن يجمع طاقمه، حتى تبدأ رحلة عذاباته، فالمشاكل تأتيه من كل حدب، ووضع العصي في عجلات العرض من أسهل الأمور التي تعترض عمله، من تأخير أو تأجيل أو حتى إلغاء لأسباب عدة، وهذا لا يغيب عن بال أحد ممن له علاقة بالمسرح. الممثل يوافق على العمل بشروط، قد تكون قاسية، كونه يعمل في المسلسل التلفزيوني، وبعد اتصالات، وربما توسلات من المخرج، يوافق العمل، إما أنه فعلاً يحب المسرح، أو أنه لم يجد العمل في التلفزيون ولجأ إلى المسرح، أو أنه جاء ليساعد زميله المخرج في إنجاز العرض، أو أنه هاو يبحث عن فرصة عمل في المسرح، وعينه على التلفزيون، وإن لم يوافق، يضطر المخرج أن يتنازل عن رؤيته، ويستعين بهاو آخر، وإن وجد أحد الممثلين المحترفين معه، فيتحول المحترف إلى هاو، أو إلى أستاذ، يتذكر أيام الدراسة، هذا إذا أعطى الممثل جزءاً من وقته للمسرح رغم شح موارده الاقتصادية، فمعظمهم لا يعطون هذا الجزء الصغير من الوقت للعمل فيه، وكأن الوقت من ذهب. ومن يعمل في المسرح يعتبر نفسه (كاهن المسرح)، وقلما يجد نفسه يوماً في مسلسل تلفزيوني، وبمجرد أن تسنح له فرصة العمل في التلفزيون، يطير محلقاً إليه، تاركاً المسرح ومن فيه، لأن الأجر الذي يأخذه من العمل المسرحي لا يغطي تكاليف الشاي والقهوة، ومن شروطه أن لا تطول فترة البروفات أكثر من عشرين يوماً كحد أقصى، وإن طال، فيبدأ بالتذمر، وبأن موافقته كانت "منية"، لذلك يسجل رقماً قياسياً في الغياب عن البروفات، وطبعاً هذا يؤدي إلى تأخير العرض أكثر، لأن من يعمل في المسرح، شروطه مستجابة كالنجم، والنجم لا يتساوى مع الهاوي، قد ينهي البروفة قبل الوقت، وقد يستقبل من يشاء، وما على المخرج إلا الانصياع لأوامره، فيدرك تماماً أن لا أحد يحل مكانه إن ترك العرض، يتدلل، ويشاركه الدلال المخرج، ويتغاضى زملاؤه الهواة الطرف عن الغياب، ويتمادى هذا الممثل، فيتعامل معهم باستعلاء، ويضطر الجميع أن ينتظروه حتى لا يترك العمل، مع حزمة من التوسلات والاتصالات، ويتحول المخرج إلى كتلة من الأعصاب المستفزة، يتوتر ويقلق، ينط ولا يهدأ، ويفرغ غضبه في وجه الهاوي، أو الأكثر ضعفاً بين مجموعته، هذا إذا لم يتشاجر مع أولاده لأتف سبب، وهذا حاله في كل بروفة، وبالضرورة في هذه الحال أن تطول البروفة شهراً أو شهرين أو حتى سنة. إن التزم جميع الممثلين وجرت الأمور كما يشتهي المخرج، ووصلت البروفات إلى بر الأمان، فهناك تبدأ مشكلة الديكور الذي من المفترض أن يتزامن تحضيره مع البروفات، لكن مشاكل تعترضه أيضاً، وتعيق إنجاز العمل في الوقت المحدد، فاختيار المواد وشراؤها لا يتم في موعدها المناسب، وتدخل مدير المسارح أو أحد المسؤولين فيها، لإسراع هذا العرض على حساب عمل آخر، يعتبر عائقاً آخر وخاصة أن معظم مديري الإنتاج، ولجان الشراء من الموظفين العاملين في المديرية، ولهم أعمال مكتبية، فيسجل الديكور أيضاً تأخيراً، هذا إذا استثنينا تنفيذ الديكور ومن يقوم به يعمل أساساً في ديكور المنازل والفيللات، وعمله في الديكور عمل إضافي مثله مثل معظم من يعمل في العرض، وتالياً يكون العرض برمته (أوفر تايم) للعاملين فيه. وعندما يتعلق الأمر بالأزياء، فهو مصيبة تصل إلى حد الكارثة، لأن الزي شخصي وذوقي ودرامي وتزييني، فيتدخل جميع الأطراف، من الممثل والمخرج ومصمم الأزياء ولجنة الشراء، ولكل واحد مبرراته، فالمخرج يريد أزياء تنسجم مع رؤيته الإبداعية، والممثل يريد أزياء تناسب ذوقه من ناحية الألوان، والموديلات غير التي يريدها المخرج، لا أن تناسب الدور الذي يؤديه، متناسياً أن للزي دور درامي ودلالي، ومدير الإنتاج، يختار أرخص الأزياء، ويتلمس جيوبه متذمراً، أحياناً، وأخرى صارخاً معترضاً على شراء هذا الزي، وهكذا تختلف الرؤى حول اختيار الأزياء، إما من منطلق جمالي أو درامي، أو تزييني، أو حتى مادي، وطالما أنهم أتوا إلى العمل تجبيراً للخواطر، فلا يستطيع المخرج أن يكون حازماً، فيتنازل عن رؤيته أكثر، وهذا يساعد في التأخير أيضاً، لأن الممثل يمكن أن يترك العمل ويمشي دون أي رادع، فينصاع المخرج لشروطه القاسية، بل لشروط جميع من يعمل معه، منتظراً اللحظة التي يرى فيها عمله النور، حتى يغمز بعينه للزمن، وربما لزميله المخرج الذي كان ينافسه، دلالة على انتصاره الساحق، ثم ينوب الإقدام ثانية على أي عمل، وهذا يستنفذ قدراته الإبداعية في المشاكل أو تقارب وجهات النظر بين المختلفين، لكن المشكلة إذا كان المخرج نفسه يبحث عن فرصة عمل في التلفزيون، ووجدها، فماذا تكون النتيجة! وحدث عدة مرات أن ترك المخرج العمل بحجة عدم انضباط الممثلين، وعدم تلبية طلباته من المديرية، وتبين أنه كان ينتظر فرصة في المسلسل التلفزيوني. وغالباً يرتبط الممثل بعمل مسرحي آخر، يسافر إلى مهرجان خارج القطر، وهذا أيضاً يسجل تأخيراً وإعاقة. يعني أن الغياب يسجل أكبر حضور في تحضير أي عمل مسرحي، ليس غياب الممثلين والفنيين، بل كل الذين يعملون في العرض، ولكل واحد مبرراته، وأيضاً يسجل المتفرج الذي من أجله أنتج العمل، غياباً لافتاً في العروض، قد نجد عدة أفراد يحضرون عرضاً، وهم غالباً من أصدقاء المخرج أو الممثل أو ممن حصلوا على بطاقات مجانية. ناهيك عن التأخير الذي يسببه صالة العرض، حتى الآن توجد صالتان فقط للعروض المسرحية في مدينة دمشق رغم وجود دار الأسد للثقافة والفنون، فقلما تقدم عروض مسرحية عليها، لذلك تفادياً، الدخول في الصراع مع المخرجين الآخرين، يلجأ بعض المخرجين إلى أماكن أثرية، كقصر العظم، وخان أسعد باشا، هرباً من المواجهة، ونادراً ما تكون لصالح الرؤية الفنية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية