تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نذير نبعة: لوحات مفتوحة على جدلية الوجود والأسطورة

ملحق ثقافي
الثلاثاء 24/1/2006
عبد الله أبو راشد

حياة الفنان التشكيلية حافلة بالعطاء وغنية بالمواضيع والمحطات، حتى غدا مرجعية بصرية للعديد من الفنانين التشكيليين الشباب، ولا يُمكن لأي دارس إلا التوقف الجاد والمتأمل في كافة جوانبها وخلفياتها الفكرية والجمالية ومتن بنيتها التشكيلية شكلاً ومقولة ومضموناً.

وتحديد مدى التصاق تجربته بهمومه كمواطن مُنحاز لذاكرة وطن وأمة عربية عميقة الجذور. عزف تقاسيم ابتكاره المتجددة على واحة الوجود وموقعه فيه كمثقف وطني بامتياز. حمل أسلحته القتالية الفاعلة بيديه، الأولى ممسكة بالريشة والثانية بالبندقية موجهة نحو العدو التاريخي للأمة العربية “الكيان الصهيوني”. مكرساً دوره الإنساني والوظيفي في حقه المشروع بممارسته كمواطن وإنسان، حيث يُمكن تأريخ تجربة الفنان “نبعة” الفنية في ثلاثة محطات رئيسة: 1 - المرحلة المواكبة لأزمنة النهوض القومي والأيديولوجية العربية متنوعة المشارب: لقد عاش الفنان “نبعة” حالات النهوض القومي العربي ومرحلة التحرر الوطني للأقطار العربية من سطوة الاستعمار الغربي طالباً ومناضلاً فاعلاً حيث مكنته الوحدة المصرية السورية من مواكبة مفاعيل الحلم العربي النضالي، والدراسة في كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة التي عمقت منافذ وعيه على قضية العرب المركزية “فلسطين” ومُساهمته الفاعلة في المشاركة الميدانية من أجلها سواء عبر الانحياز لخيار المقاومة المسلحة وحمله البندقية لمقاتلة أعداء الثورة الفلسطينية الوليدة عام 1965 أو اندماجه في ماكينة العمل الإعلامي كمخرج فني ورسام للعديد من منشورات المقاومة الفلسطينية الصادرة في بيروت حيث كان للموتيف الصحفي مكانة ودور جمالي ووسيلة تحريض تعبوية أو من خلال إنجاز مجموعة من الملصقات الفلسطينية. جميع مُنتجات تلك المرحلة الممتدة ما بين 1960-1967 كانت تعزف على أوتار المقاومة والالتزام بالقضية الفلسطينية وخدمة لمعركة الوجود العربية، وتُعد من أكثر المراحل في حياته الفنية صدقاً وجودة وعفوية. 2 - مرحلة البحث عن ذات فنية فاعلة ومُتفردة في ميادين الواقعية التعبيرية الرمزية: هي المرحلة التي أعقبت هزيمة العرب العسكرية والسياسية في حرب حزيران 1967 التي صدمت الأمة العربية بأسرها من محيطها إلى خليجها وبكافة مكوناتها الطبقية وضاعت في طياتها أحلام النخب العربية وسقطت في أوحال الوهم والضياع. حاول الفنان “نبعة” البحث عن حلول تعبير بصرية لا تجعله يفقد صلته بواقعه المعايش وتجاوز ما حصل من انكسار للوجدان والعواطف والأحلام والبحث عن جماليات تلف ذاكرة المكان بتعبيرات نابضة بالأمل والتفاؤل عبر عناصر مستعارة من البيئة الدمشقية الغنية بزخارفها وتفاصليها العمرانية وأبنيتها العامرة بكل آيات الجمال العربي واستلهام مواضيع القصص الشعبي في أناقة وصفية مُكرسة لرموز هنا وهناك تُظهر موهبة الرسام وقدرته على امتلاك مفرداته في صياغات أكاديمية ومهنية ملحوظة. 3 - مرحلة البحث عن ذات فنية عبر ميادين الاتجاهات التجريدية: هي مرحلة التفكّر والعبث الشكلي والفلسفة الشخصية المعمرة بالرغبة الدائمة على التنوع والاكتشاف في ميادين الاشتغال التقني والدخول في مساحة التأليف البصري على حيز السطوح واللعب على ملونات متجانسة ممتدة عبر تجاويف وملامس نافرة ومُنفذة بأدوات متنوعة موزعة ما بين سكين الرسم متعددة المقاييس والريشة لأعمال هي أقرب لمساحات الحلم والتخيل المبرر بعد مسيرة خمسة عقود من الرسم والتلوين والممارسة الأكاديمية والمهنية لكافة مكونات اللوحة التصويرية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية