|
ســـــاخرة هذا الجهاز العجيب الذي هو أصغر من راحة اليد ولا يزيد حجمه على طول وعرض باكيت المارلبورو النظامي أو التهريب. ويوضع في المحفظة أو يشكل على الخصر مع القشاط أو يحمل باليد فيعطي صاحبه شيئاً من الامتياز عن خلق الله الذين مازالوا ضمن دائرة العين بصيرة واليد قصيرة. بدأ سعر خط الموبايل بستين ألف ليرة سورية ثم أخذ يهوي شيئاً فشيئاً إلى أن أصبح الآن شريحة شبه مجانية شريطة أن نملك هذا الجهاز. وأيضاً مع انخفاض تكاليفه أصبح البائعون والوكلاء للموبايل أكثر من بائعي الحمص والفلافل والخضار والبوتيكات. وإن كثيراً من المحال والدكاكين إضافة إلى اختصاصاتها الأصلية أحدثت فرعاً في إحدى واجهاتها تحوي تلك الأجهزة ناهيك عن المحال الأنيقة الواجهات المختصة بهذا الجهاز المدلل. وتكاد الإعلانات عنه كبيرها وصغيرها ومتوسط حجمها تملأ شوارع المدينة إذا فاقت إعلانات الدعايات الانتخابية لمرشحي مجلس الشعب في مواسم الانتخابات مع فارق ليس بسيطاً وهو أن أولئك المرشحين كانوا يعرضون صورهم ملونة أو أبيض وأسود مع أسمائهم إضافة إلى كلمة (انتخبوا) التي هي فعل أمر دون أي إعلان عن الميزة أو السبب الذي يجعلنا من أجله نلبي أوامرهم أو رغبتهم بإعطائهم أصواتنا. أما دعايات الموبايل فهي مقنعة بأن تقتني أو تحلم باقتناء هذا التلفون المتعدد المزايا والاستعمالات والذي تحمله معك كما تحمل لطفك أوغلاظتك أينما ذهبت، فليس له سلك ينقطع أو كابل يخرب إذا مرت فوق أرضه ورشة صيانة للكهرباء أو الماء أو الصرف الصحي أو ماشابه ولا تتأثر أسلاكه بهطل الأمطار وهبوب الرياح فهو أصلاً لا تلزمه تلك الأسلاك وهذه ميزة توفر عليك ذل الشكوى لمؤسسة الهاتف الأرضي وانتظار إصلاح الخلل. أذكر أنه مع بداية الشيوع الجزئي لهذا الجهاز أي حين تم تخفيض سعر الخط إلى العشرين ألف ليرة سورية فقد أخذت الدعايات لهذا الجهاز الآسر تملأ الشوارع لشركات وباعة ووكلاء معتمدين. وكل منهم يقدم إغراءات منافسة لغيره من الباعة. وإذا كان مبلغ العشرين ألفاً هو القاسم المشترك بين جميع الدعايات إلا أن الإغراءات تكمن في موضوع التقسيط والتقسيط المريح إضافة إلى جودة ومزايا الجهاز، هذا دون غيره من باقي الأجهزة وماله من استعمالات إضافية مكملة (للبريستيج). ملاحظة: كلمة بريستيج تعني التميز أو التمظهر أو التباهي أو شوفة الحال. ومنذ قديم الأزل والبعض مولع بهذا البريستيج وأيضاً أذكر لافتة قماشية بعرض الشارع تقول: (في محلات فلان الفلاني وأولاده. احصل على جهازك الخلوي مباشرة وادفع على مهلك دون أن يحدد أي مبلغ أي إنه ترك هذا الأمر لناموس أو استطاعة الزبون. التقيت مصادفة في الشارع في تلك الأيام بأحد الأشخاص المولعين جداً بالبريستيجات (جمع بريستيج) وهو شخص على قد حاله عينه بصيرة جداً وجيبه قصيرة جداً. فسألني ملهوفاً عن محل يبيع الموبايلات مع النمرة أي الخط بقسط شهري قدره خمسون ليرة سورية فقط دون دفعة أولى. فتذكرت أن أحد الحمامصة كان قد باع تلفزيونه ليشتري بثمنه جهاز فيديو زمن انتشار الفيديوهات. ومع هذه الحادثة التي تذكرتها تساءلت عن هذا الذي يبحث عن الخلوي أبو الخمسين ليرة شهرياً، ترى ماذا سوف يبيع مطلع كل شهر لدفع قسط الموبايل؟. تأثرت كثيراً لصاحبنا هذا حين قرأت الإعلان. فالخمسون ليرة سورية هي قسط يومي وليس شهرياً. أي ثلاثون خمسيناً عليه أن يدفع شهرياً هذا المولع بالخلوي والبريستيج. بعد زمن قصير أو طويل رأيت صاحبي هذا والموبايل بين يده وأذنه وهو منهمك بالحديث. وبعد ذلك وصل هذا الجهاز إلى أكثر الناس فقراً وبساطة ودروشة.. فعصر الاستهلاك يعرف كيف يقنعك أن تبيع أي شيء لتشتري بثمنه أي شيء. |
|