تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من ظرفاء دمشق (18).. الدكتور عبد السلام العجيلي

ســـــاخرة
الخميس 17-11-2011
نصر الدين البحرة

شعرت بالعجز فعلاً وأنا أحاول الكتابة عن الدكتور عبد السلام العجيلي «الرقي» ولادة،

والدمشقي حضوراً، حتى خيل لبعضهم أنه ابن هذه المدينة لكثرة ما كان يشاهد في مقاهيها وشوارعها ونواديها، بل إن له بيتاً في واحد من أجمل أحياء دمشق يبيت فيه حين ينزل دمشق من مدينته الرقة، حيث كان يعالج الناس فقراءهم قبل أغنيائهم وفي أحيان كثيرة يقدم الدواء لأولئك المعوزين.‏

وفي سيرته سنوات أمضاها في كلية الطب طالباً في دمشق وبدأ من ثم ينسج علاقاته الاجتماعية والأدبية الواسعة حيث أقام في أحد بيوت شارع العابد وفي كتبه الكثيرة التي روى فيها ذكرياته، نصيب طيب لهذا البيت وأولئك الجيران.‏

العجيلي بين الطب والسياسة‏

وكان العجيلي يضع بعد تخرجه عيناً على الطب والأدب وعيناً على السياسة، وهكذا كان عضواً في المجلس النيابي السوري عام 1947 وحين نشبت حرب فلسطين فإنه تطوع في جيش الإنقاذ في فوج اليرموك الذي كان يقوده أديب الشيشكلي، ويذكر العقيد المتقاعد محمد سهيل العشي في كتابه(فجر الاستقلال في سورية) أن أكرم الحوراني انخرط مع العجيلي في هذا الفوج. وأنهما زارا الرئيس شكري القوتلي قبيل مغادرتهما، فعرض عليهما مبلغاً من المال في ظرف لكل منهما وقد سارع العجيلي بالاعتذار عن القبول وأصر على ذلك على الرغم من إلحاح القوتلي مؤكداً لهما أن هذا المال ليس من أموال الدولة، بل هو من ماله الخاص.‏

خوف القول قبضاً سلفاً‏

واضطر الحوراني لعدم القبول، ولم يخف عتبه على صاحبه وهما يغادران القصر وقد سمعت مباشرة في محاضرة لعبد السلام العجيلي في دمشق في ذكرى الجلاء، رده على الحوراني إذ سأله عن سبب إصراره على الامتناع عن قبول مال الرئيس القوتلي، فقد قال العجيلي: ماذا سيقول عنا الناس إذا عرفوا أننا قبضنا مالاً قبل التوجه إلى فلسطين؟« قبضنا أجرنا سلفاً؟!»‏

العجيلي...ومريض السكري‏

يروي عبد السلام العجيلي، وهو يتحدث عن ذكرياته كطبيب،أنه منع مرة أحد مرضى« السكري» بناء على تحليل المخبر الذي يؤكد إصابته بهذا الداء - من تناول السكريات.‏

وبعد بضع سنوات شاهد في الطريق مصادفة هذا المريض، فسأله: ألست أنت مريضي؟‏

قال: نعم، بعد أن منعتني من تناول السكريات، قلت في نفسي، مادمت سأموت، فلألتهم ما يطيب من السكريات، قبل أن أودع الحياة،،وهكذا اشتريت حلاوة طحينية ومربيات وصرت آكلها.‏

وقد عقب الدكتور العجيلي على هذه الحكاية بالقول: لابد أن مخبر التحليل قد غلط، فأعطى المريض نتيجة تحليل مريض آخر.‏

امتيازات الطبيب أكثـر من مزعجاته‏

وفي كتابه (خواطر مسافر) يكتب العجيلي تحت عنوان: «دكتور ودكتور» من حسن حظ الأطباء على كل حال، أن امتيازات الطبيب أكثر من مزعجاته وهذا ما يفسر التهافت على انتحال صفة الطب وكثرة الدجالين فيه، كما يفسر محاولة حشر بعض إخواننا العلميين أنفسهم بيننا نحن الأطباء، وإن لم يكونوا منا... في الأسفار وفي غيرها.‏

من أمثلة ذلك مارواه واحد منهم، وهو دكتور في الكيمياء، من أنه حين أتم دراسته عاد إلى بلاده عن طريق البحر، ولأنه كان يحمل لقب دكتور فقد ظن زملاء الرحلة والبحارة أنه طبيب فكانوا يعاملونه على ذلك الاعتبار، دون أن يسعى هو إلى تكذيب ما ظن فيه.‏

دكتور الكيمياء والحسناء جولين‏

ويستطرد العجيلي قائلاً: كانت على متن الباخرة فتاة آية في جمال الوجه وتناسق أعضاء الجسم فتنت المسافرين، فحاول كل منهم التقرب إليها بوسيلة دون أن يفلح أحدهم في ذلك ومنهم صاحبنا الدكتور في الكيمياء، وذات مساء جاء أحد البحارة إلى صاحبنا هذا وهو يقول: أسرع يا دكتور..الآنسة جولين- وهذا اسم فاتنة السفينة تزحلقت ورضت ساقها، طبيب الباخرة مشغول بعملية مستعجلة فهلا بادرت إلى إسعافها؟‏

قال الدكتور في الكيمياء، وراوي القصة: ولم أصارح البحار بأني لست طبيباً، بل اغتنمت الفرصة التي أتيحت لي، وتبعت البحار مستعجلاً، ولكنني حين انحدرت إلى حين ساقني، وحيث كانت الفتاة مستلقية، وجدت زميلاً آخر قد سبقني، منحنياً على الساق الممشوقة يتحسس مواقع الألم منها ويمسدها باهتمام وحرارة.‏

كان ذلك الزميل أيضاً دكتوراً، لا...دكتوراً في الطب، ولا حتى مثلي دكتوراً في الكيمياء القريبة بعض الشيء من الطب، بل كان دكتوراً في الجغرافيا..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية