تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ربيع ساركوزي وأوباما

آراء
الخميس 17-11-2011
الشيخ حسن حيدر الحكيم

ثلاث محطات استوقفتني ومرً عليها الإعلام العربي مروراً عابراً دون تحليل أو تفصيل أو تدليل مما زاد علي شبهة هذا الإعلام وشبهة ما يجري في الساحة العربية.

في المحطة الأولى وقف ساركوزي وهو يلتقط الصور التذكارية مع قادة الحراك الليبي والمنتصر بسلاح الناتو وهو يرفع علم ليبيا الجديد فقال بالحرف الواحد: نحن سعداء وفخورون بهذا الربيع العربي، وصرنا نشاهد بوضوح وكما لاحظتم الإنسان العربي كيف نزل إلى الشارع ليغير التاريخ فلم يخرج الناس في هذه البلدان العربية لينددوا بالغرب ولا بأميركا ولاحتى بإسرائيل بل خرجوا يطالبون بفرص العمل والديمقراطية والنمو الاقتصادي، ثم عاد ليكرر قوله هذا في خطابه أمام الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة ولم ينقص منه كلمة بل زاده ترداد أوباما لنفس الجمل والعبارات فماذا يعني ذلك؟‏

وفي المحطة الثانية استقبل المدعو أحمد منصور الذي يعمل شكلياً على أنه إعلامي في الفضائية سيئة الذكر السيد صفوت حجازي واستذكر معه في عدة حلقات ذكريات الثورة في مصر وإذ بنا نستنتج أن صفوت حجازي هذا.. هو القائد الفعلي للثورة في مصر وقد تباكى وتذاكى ومسح عيونه مراراً وأنفه تكراراً راوياً على مزاجه تحركات الثورة دقيقة بدقيقة ولحظة بلحظة؟!!‏

مختصراً الثورة بمصر بشخصيته الفذة وبتياره الفكري الذي تحتشد الأسئلة المشككة بخلفيته برأس كل المثقفين العرب تقريباً طبعاً ولم يأت هذا القائد المصنوع في المحطة الفضائية المذكورة والذي ينفخ فيه الروح السيد أحمد منصور لم يأت على ذكر إسرائيل أو حتى فضيحة الغاز بل استعر في جوفه جمر الفتن في مصر بحديثه المطول عن الشيخ فلان والشيخ علان.‏

وفي المحطة الثالثة خبرٌ سريعٌ وموجز عن وفاة نجل الرئيس المصري العربي الوطني القومي الراحل جمال عبد الناصر.... فقد توفي خالد جمال عبد الناصر لنكتشف بهذه المناسبة الحقد الدفين والكبير من هذه المحطات الفضائية على هذا الرئيس الوطني القومي والذي مضى على وفاته أربعة عقود من الزمن ويكاد ينساه هذا الجيل من شباب الفيسبوك لكن هذه الفضائيات بقي حقدها مستيقظاً ولم تنسه ولا تزال تسعى لتشويه تاريخه والتشكيك بنضاله!!!‏

فلماذا نرى سكوت هذه الفضائيات التي لم تكف عن توجيه خطابها الغرائزي والتحريضي للشارع العربي ونرى مذيعيها سعداء فرحين بتعداد أخبار القتلى والتخريب والتدمير للمؤسسات التي بنتها هذه الشعوب من ثروات بلادها؟!‏

ولماذا تذكرنا دور هذه الفضائيات منذ سنوات الغزو على العراق الحبيب ورأينا كيف أن الذين ادعوا رغبتهم بتخليص الشعب العراقي من رئيسه دمروا المتحف الذي فيه تراث نبوخذ نصر ولم يدمروا قصراً واحداً لصدام حسين وأحرقوا وزارة النفط ولم يحرقوا سجن أبو غريب؟!‏

ولماذا أسكتت تحريضها على من أسقط مئات آلاف القتلى بمجازر طائفية بالعراق واكتفت هذه الفضائيات بمتابعة مثيرة لمحاكمة صدام حسين ولم نر ولو برنامجاً واحداً يشرح لنا هذا التشابه بين كل المجريات في ساحاتنا العربية التي تبدأ بمطالبة مشروعة بالديمقراطية وفرص العمل والنمو الاقتصادي وتنتهي ببلدان مدمرة ممزقة وثكلى قتلت أولادها النزاعات الطائفية وشبابها ونساءها؟!‏

ولماذا عندما خرج الشعب المصري يطالب بإسقاط اتفاقيات كامب ديفيد الجائرة قامت جهات ما بحرق مقامات الأولياء سعياً وراء فتنة طائفية إسلامية -إسلامية؟!‏

ولماذا عندما خرج الشارع المصري يطالب بإعادة النظر بموضوع بيع الغاز لإسرائيل تحركت مجموعة إرهابية لتصنع التفجير الشهير أمام كنيسة الأقباط في مصر؟!‏

ولماذا عندما تأجج حراك الشعب المصري الذي اقتحم السفارة الإسرائيلية مطالباً برحيل السفير ظهرت مجموعات تخطط وتنفذ المجزرة التي حصلت بالأمس وكان المطلوب منها أن تؤدي إلى معركة طائفية؟!‏

لماذا عندما خرجت الحركات الاحتجاجية في سورية تطالب بالإصلاح وأقلعت مسيرة الإصلاح بقيادة سورية وقرار سوري وخطة سورية لعلع صوت رصاص الإرهاب وارتفعت في هذه الفضائيات نبرة الطائفية التي تحصن منها شعبنا السوري بتمسكه بوحدته الوطنية؟!‏

ولماذا عندما جلس السوريون على طاولة الحوار وجه الإرهابيون بنادقهم إلى الكفاءات والخبرات والرموز الفكرية والعلمية ولم نر بنادقهم تقترب من فاسدٍ واحد بل قتلوا الطبيب والعالم الذري والخبير بالتصدي لأي حرب كيميائية...لتضحك إسرائيل في عبها؟‏

لماذا يظهر حراك القتل موحداً في كل البلاد، فالقناصة التي روجت لهم الجزيرة والعربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية ظهر أنه عندما ألقى جيشنا الوطني القبض على بعضهم أنه المطلوب منهم ليس القتل فقط بل قتل وتصوير الأولاد والشباب والمتظاهرين وإرسال الصور الدامية لهذه الفضائيات كمادة للتحريض على القتل من جديد حيث يتقاضى المجرمون ثمن القتل مرة وثمن تصوير القتل مرة ثانية، في حين أن الصهاينة يقتلون نهاراً جهاراً وليس بالقناصات بل بالطائرات والقنابل الفوسفورية المحرمة دولياً ولم نلحظ هذه الأمانة في نقل تفاصيل هذا النوع من القتل؟‏

لماذا ولماذا وألف لماذا تدور في أذهاننا... وقد جاوبنا عليها ساركوزي وأوباما على سدة الأمم المتحدة وعلى مسامع العالم كله أنهم فرحون بتدجين الشعب العربي ليصير هدفه فعلاً كما قالوا ورددوا: نحن سعداء وفخورون بهذا الربيع العربي وصرنا نشاهد بوضوح وكما لاحظتم الإنسان العربي كيف نزل إلى الشارع ليغير التاريخ، فلم يخرج الناس في هذه البلدان العربية لينددوا بالغرب ولا بأميركا ولا حتى بإسرائيل بل خرجوا يطالبون بفرص العمل والديمقراطية والنمو الاقتصادي.‏

نعم إنه ربيع ساركوزي وأوباما اليابس الذي تدلت فيه شلالات الدم بدلاً من عناقيد العنب والورود والأزاهير... القتل والتدمير وإسقاط آخر القلاع العربية هي ربيع إسرائيل وأميركا وبقية القطط التي تسير خلف الجزار؟!‏

نعم هذه هي الأهداف ونحن في سورية نفهم بل الولد الصغير في بلادنا صار يعلم أن هذه الفضائيات الخبيثة هي حصان طروادة الذي نحته الصهاينة كي ندخله دارنا وقد خبأ رماحه وسلاحه في جوفه وعند أول ليل يخرج على وطننا الآمن فيقتل وينتزع الأكباد ويشرب الدماء ويحطم القلاع وهو يحمل لافتة موشاة بالعلم الصهيوني الغربي الأميركي مخضبة بالدم العربي المسفوح تحمل عنوانها العريض(ربيع ساركوزي وأوباما العربي؟!!) ولكن هنا في سورية بيت العروبة وقلعتها كان الجواب رغم الألم والدموع والدماء: هيهات هيهات...سورية الله حاميها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية